لم يكن فيلم «Joker» (جوكر) للمخرج تود فيليبس الذي عُرض عام 2019 مجرد فيلم آخر عن إحدى شخصيات القصص المصورة المشهورة، بل كان مفاجأة استثنائية في هذا النوع من الأفلام على عدة مستويات. بداية من الإعلان عن اختياره للمشاركة في مهرجان البندقية (فينيسيا) ضمن المسابقة الرئيسية وليس خارج المسابقة كما هو معتاد مع أفلام الأبطال الخارقين، ثم المفاجأة الأكبر بفوزه بجائزة الأسد الذهبي، أرفع جوائز المهرجان، قبل أن يُعرض تجاريًا ليحقق إيرادات قياسية، ويجمع إلى جانب الإيرادات ثناء نقديًا يتخطى عبارات «جيد» أو «مقبول»، ويصل إلى تحليلات دقيقة لتفاصيل الفيلم والأعمال الأخرى التي تأثر بها مثل «Taxi Driver» (سائق التاكسي) لمارتن سكورسيزي.
الفيلم الذي كانت ميزانيته محدودة – نحو 55 مليون دولار- لم يكن مخططًا له جزء ثانٍ، ولكن بسبب من النجاح الساحق، قرر صناعه العودة بجزء جديد يحمل عنوان «جوكر: وهم ثنائي Joker: Folie à Deux»، ومرة أخرى كانت المفاجأة بوجود الفيلم في مسابقة مهرجان فينيسيا في دورته الحادية والثمانين.
كان الفيلم الأول يبدو مكتملًا إلى حد بعيد كقصة شخص مسالم يتحول إلى ضحية ثم يقرر الانتقام ممن أذوه، فما الذي يمكن أن يضيفه الجزء الجديد، وهل هناك جديد لتقديمه أم أنه مجرد اجترار لنجاح الفيلم الأول؟
ضحية أم شرير؟
تدور الأحداث بعد نهاية الجزء الأول بفترة قصيرة، آرثر فليك أو الجوكر (واكين فينكس) لا يزال مسجونًا وفي انتظار محاكمته بتهمة قتل عدة أشخاص، وفي أثناء وجوده في السجن يتعرف على هارلي كوين (ليدي جاجا) المهووسة بشخصية الجوكر. بينما تحاول محامية آرثر إثبات أنه مريض نفسي، وأن هذا هو ما دفعه إلى ارتكاب جرائمه. فيما يحاول آخرون، على رأسهم هارلي، إبقائه أسيرًا في شخصية الجوكر المضطربة.
مرة أخرى يخالف الفيلم التوقعات ليقدم مدخلًا مختلفًا، لشخصية الجوكر، بدلًا من أن نشاهده يؤسس عالمه الإجرامي بالفعل ويسعى للسيطرة على مدينة جوثام، نجده في السجن يحاول إيجاد نفسه الحقيقية!
ربما كان هذا التناول هو أقوى طموحات الفيلم، إذ بينما شاهدنا في الفيلم الأول آرثر فليك ضحية لشخصيات بعينها دفعته للتحول إلى الجوكر، نجده هنا ضحية لمجتمع أكبر يحاول أن يدفعه دفعًا إلى البقاء في هذه الشخصية التي يعدّونها رمزًا للتمرد. هكذا يجد آرثر نفسه محاصرًا بين هارلي التي يحبها، وهي ترغب في أن يبقى «الجوكر»، وبين المحامية التي تحاول مساعدته لكنها تصر على فعل ذلك من خلال وضعه داخل قفص المرض.
هل تريد بعدًا آخر عزيزي القارئ؟ في الحقيقة نحن كمشاهدين أيضًا نحاصر بطل الفيلم، لا جدال إن المشاهد سيقطع تذكرة ليس لمشاهدة آرثر فليك النحيف الحزين، ولكن لمشاهدة الجوكر وضحكاته الشريرة وإجرامه غير المتوقع. هكذا فإن تحول الفيلم إلى ما يشبه أفلام ساحات المحاكمة (Courtroom) كان تناولًا جديدًا تمامًا وبه الكثير من الطموح الفني. لكن ماذا عن بقية عناصر الفيلم؟
موسيقي أم مأساوي؟
في تصريحات سابقة لمخرج الفيلم، ذكر أن الموسيقى ستلعب دورًا أساسيًا في الفيلم، وقد صدق في هذا، وأردف، أن هذا لن يختلف كثيرًا عما كان في الفيلم السابق، ولم يصدق في هذا. الفيلم ضم الكثير من الأغاني التي تشارك في أدائها فينكس وجاجا. أغلب هذه الأغاني كانت بمثابة خيالات في ذهن آرثر، لتصور ما يتمناه أو ما يطمح إليه من خلال شخصية جوكر، ولكن الأزمة الكبرى أن المخرج لم ينجح في توظيف الأغاني بشكل مُقنع داخل الفيلم. من جهة فقد كان الكثير منها مجرد تكرار للحوار الذي سمعناه بالفعل دون جديد يذكر، ولم تمثل إضافة مؤثرة في الأحداث أو الحوار، بل كأنها فقرات غنائية مُقحمة يمكن الاستغناء عن الكثير منها بالفعل دون أن تتأثر الأحداث. ومن جهة أخرى فإن تصميم الحركة في هذه الأغاني أيضًا لم يُضف الكثير، بل إن بعض المشاهد تكررت، بشكل جعل الأغاني في النصف الثاني بمثابة عبء على الفيلم، فلا هي حققت إضافة بصرية يمكن الرجوع إليها لاحقًا وحدها، ولا هي أضافت جديدًا للأحداث.
ربما كانت هذه أبرز المآخذ على هذا الفيلم الذي كانت طبيعته المأساوية كافية. ولكن للإنصاف يجب أن نذكر أنه أيضًا لا زال يحمل الكثير من الطموح الفني، ربما لم نشاهد فيلمًا موسيقيًا ودمويًا في الآن ذاته منذ رائعة «Sweeney Todd: The Demon Barber of Fleet Street» (سويني تود: الحلاق الشرير في شارع فليت) للمخرج تيم بيرتون، ولكن الفارق شاسع في مستوى الأغاني بين الفيلمين لصالح فيلم بيرتون بالطبع، فالفيلم وأغانيه مأخوذان عن مسرحية وضع موسيقاها أعظم موسيقيي المسرح ستيفن سوندهايم.
واحد أم اثنان؟
إذا عدنا لسؤال البداية عن كون الفيلم أضاف جديدًا، فبالتأكيد كانت هناك عناصر واضحة أضافها الفيلم، ولا يمكن بحال وصفه بمجرد استغلال للنجاح، فقد حافظ على الكثير من عوامل نجاحه الفيلم الأول، ومنها بالتأكيد الحضور الاستثنائي لواكين فينكس في شخصية الجوكر، وكذلك الطبيعة اللونية المميزة والتي كانت واضحة في مشاهد السجن الرمادية المقبضة بالتحديد، بينما تختلف عندما يدخل آرثر إلى أحلامه الملونة، وعندما ظهرت المدينة الخارجية في مشاهد قليلة، فإنها لا زالت غارقة في الكآبة التي يمكن لمسها.
لكن ربما الطموح الكبير الذي صاحب العمل على هذا الفيلم، والميزانية التي تضاعفت 4 مرات (200 مليون دولار) لم يكونا كافيين لصناعة حالة الدهشة التي صاحبت الجزء الأول، الذي كان أكثر دقة ووضحًا في تفاصيله من هذا الجزء، ولم يطمح أن يصيب الكثير من الأهداف، فنجح بالفعل في إصابة أكثر مما أراد.