فاصلة

مراجعات

«الجميع يحبّ تودا»… إلا نبيل عيّوش!

Reading Time: 3 minutes

يبدأ فيلم نبيل عيوش الجديد «الجميع يحب تودا»، المشارك في «مهرجان الجونة السينمائي» (24 أكتوبر إلى 1 نوفمبر)، والذي شارك في «مهرجان كان» الأخير، بتعريفنا بتاريخ الشيخات، وفن «العيطة» المغربية. العيطة باللهجة المغربية تعني النداء، وكانت لغة تواصل مشفرة اعتمدها المقاومون أيام الاستعمار لمناهضة الظلم والقهر إلى جانب الحب، وغنت الشيخات أشهر أشعارها المتحررة. تطور هذا الفن وحفظه الناس، وغنته الشيخات في الأفراح والاحتفالات حتى اليوم.

 تودا (نسرين الراضي)، تحلم بأن تكون شيخة، فهي ليست أكثر من مغنية مغربية تقليدية تغني من دون خجل عن الحب وتحرر المرأة، وتؤدي كل ليلة عروضها في حانات بلدتها الريفية، وتجذب أعين النساء وتسحر الرجال. ولكن تعرّضها الدائم لسوء المعاملة والإذلال، يجعلها تريد ترك كل شيء وتسافر إلى الدار البيضاء لتسعى وراء النجومية، ولتوفير مستقبل أفضل لابنها الأصم.

 يحاول الفيلم تكريم الشيخات، من خلال شخصية تودا. من خلالها، يحاول عيوش أن يروي حياة هؤلاء النساء اللواتي يروين قصصاً يومية عن المجتمع الذي يعشن فيه، في محاولة لتحسين مشاركة المرأة ودورها من خلال الذهاب ضد التيار السائد في أدوارهن التقليدية، وبالتالي يصبحن قدوةً للنساء الحاليات والأجيال القادمة.

 «الجميع يحب تودا» (2024)
«الجميع يحب تودا» (2024)

يبدأ فيلم «الجميع يحب تودا»، بطريقة قوية جداً، كما عودنا المغربي دوماً، بسخاء مقلق، وبمشهد مؤلم، سلط الضوء بسرعة على المرأة، تودا، المناضلة في وجه نظام ثابت، مجتمع مغربي مؤسس على السلطة الأبوية، ويتبنى نظرة قاتمة لتحرر المرأة، خصوصاً إذا كانت تعيش بمفردها أثناء تربية طفلها، وايضاً تغني في البارات.

هذه القوة في البداية، لا تكتمل، لأنّ عيوش مال بفيلمه نحو المانوية، فقسم الفيلم بين الأخيار والأشرار بطريقة واضحة وسهلة، مما أفقد الفيلم قوته في معالجة قصة اجتماعية جريئة، حيث فكرة الأبيض والأسود أعمق من أن تكون بهذه السهولة. بين الألوان والبارات المغربية، والبيرة والموسيقى والأغاني والرقص، قدم عيوش قصة تخفي واقعاً قبيحاً، قدم فيه تصوراً سطحياً للمشكلات الاجتماعية والمغربية، وخصوصاً في ما يتعلق بالنساء.

أتخم عيوش فيلمه بالأغاني والموسيقى وتودا التي تؤدي أغانيها، كأنه يعوض بذلك عن فقر القصة التي يود تقديمها، أو كأنه لا يعرف إلى أين يأخذ فيلمه، فبدأ الأخير كأنّه حُكي على عجل، وبنهاية لا تقول الكثير.

سرد عيوش فيلمه بطريقة كلاسيكية، تكاد تكون حكيمة للغاية، واكتفى بنشر المشاكل على تودا يمنة ويسرةً بدون جرأة، حتى أفقد الفيلم القوة. إن رحلة المرأة التي تغادر منطقتها لتجرب حظها في الدار البيضاء يمكن التنبؤ بها لدرجة أن جميع المراحل والعقبات التي نفكر فيها تكاد تكون موضحة.

 «الجميع يحب تودا» (2024)
«الجميع يحب تودا» (2024)

 تحتل الميلودراما الفيلم، والنظرة الإنسانية السخية جداً، تفقد الفيلم العنصر الذي يثير الدهشة. يفشل الفيلم إلى حد كبير في نقل تعقيدات موضوعه. كنا نود أن نرى فيلماً أكثر غضباً وعمقاً وإلهاماً، من مخرج أثبت أنه لديه حساسية اجتماعية وسياسية عميقة في أفلامه السابقة.

على الرغم من صورة الفيلم القوية، وبعض الرمزيات هنا وهناك، إلا أنّ الفيلم يصور لنا الكثير من الأمور التي لا تتفق مع موضوعه القوي الذي استسهله عيّوش. «الجميع يحب تودا»، مفرط في مشاكله، ومثقل بكمية المواضيع التي أراد عيوش المرور عليها كلّها بطريقة سريعة.

رغم التحديات الكبيرة، تألقت نسرين الراضي بدورها كـ«تودا»، حيث نقلت لنا عمق المعاناة والتصميم على تحقيق الطموح في مجتمع يحدّ من حريتها. أضفت الراضي بريقاً على الشخصية، ما جعلها العنصر الأكثر جذباً في الفيلم. كانت كل شيء في الفيلم، ولكن طبعاً لا تستطيع وحدها إنقاذه.

اقرأ أيضا: نبيل عيوش: «الجميع يحب تودا» رسالة حب للموسيقى وتقدير لـ«شيخات» الغناء

شارك هذا المنشور

أضف تعليق