فاصلة

مراجعات

«إدنغتون» آري آستر… طموح كبير وحيلة قليلة

Reading Time: 3 minutes

قد تحتاج الولايات المتحدة، وربما العالم، لظهور فيلم يتناول الأحداث الجارية والماضي القريب، وكيف غزّت جائحة كورونا التطرف السياسي، وكيف ظهرت نظريات المؤامرة وتصاعد العنف الاجتماعي، وانتشر تيار وثقافة «أجعلوا أميركا عظيمة مجددًا» في عهد ترامب وأتباعه، وكيف ظهرت جماعات يمينية متطرفة مختلفة. لكن للأسف هذا الفيلم ليس «إدنغتون Eddington»، الفيلم المنتظر للمخرج المميز آري آستر، والمعروض ضمن أفلام المسابقة الرسمية لمهرجان كان.

ربما لم يكن آري آستر هو المخرج المناسب للتصدي لهذا المشروع الطموح؛ فعلى الرغم من كونه مخرج رعب بارع إلا أن ما أنتجه في «إدنغتون» يثبت أن الارتقاء المفاجئ لمصاف الشهرة يضع عبئًا كبيرًا على بعض المخرجين. 

 

ورغم أن فيلمه الجديد ليس غامضًا أو غريبًا كأفلامه السابقة، إلا أن «إدنغتون» فيه نبرة صوت جهورية مبالغ فيها، كشخص يظن أنه يعبّر عن حقائق عظيمة عن العالم والحياة، بينما كلّ ما يفعله هو إعادة ترتيب أفكار مألوفة. آستر جريء، وهذا صحيح، لكن انطباعي هو أن موهبته نادرًا ما تُضاهي طموحاته.

فيلم «إدنغتون» هو رابع أفلام آري آستر، تدور أحداثه في مايو 2020، ويتمحور محتواه السردي بأكمله حول الصراعات القائمة، مثل جائحة كوفيد ونظريات المؤامرة، وحركة «حياة السود مهمة»، والطاقة النظيفة، أو انتشار وسائل التواصل الاجتماعي. لكن بطله الذي يؤدي دوره واكين فينيكس في دور الشريف جو كروس، يبدو عالقًا في الماضي، سواءً كان على المستوى الشخصي بسبب افتقاره إلى النضج والقدرة على التكيف مع العصر (أول علامة على ذلك رفضه ارتداء الكمامة كأي شخص آخر، رغم أنه إلزامي بموجب مرسوم)، أو تاريخيًا بسبب ما يمثله من نظام إنفاذ القانون الأمريكي المستمر من عصر رعاة البقر.

«إدنغتون» آري آستر... طموح كبير وحيلة قليلة
Eddington (2025)

يلعب فينيكس دور الشرطي الوحيد نوعًا ما في بلدة صغيرة خيالية، وبالتالي عتيقة. ومع اقتراب موعد الانتخابات البلدية تبدًا المبارزة بين عمدة البلدة أو رئيس البلدية تيد غارسيا (بيدرو باسكال)، وبين الشريف الذي يترشح فجأة إلى هذا المنصب. مع تشعبات اجتماعية وسياسية أخرى تجعل بلدة «إدنغتون» نموذجًا جغرافيًا لمشاعر الأمة، يتجسد في سكانها القلائل تفكير شعب بأكمله، يسارًا أو يمينًا. يخوض هذان الرجلان البائسان معركة شرسة على السلطة، لكنهما يحملان أيضًا سببًا غامضًا للمواجهة، يتعلق بالحمل غير المرغوب فيه والإجهاض اللاحق الذي تعرضت له وهي قاصر زوجة الشريف (إيما ستون)، التي كانت على علاقة غرامية مع العمدة.

«إدنغتون» آري آستر... طموح كبير وحيلة قليلة
Eddington (2025)

فيلم «إدنغتون»، ليس مضحكًا ولا مسليًا أو مؤثرًا بشكل خاص. ولا يتناسب مع أي من الأنواع والمواضيع التي يتناولها (وهي كثيرة). لا يؤمن آري آستر بالعقائد والمسلمات، لكنه في فيلمه يتعمق في التعصب وحرية حمل السلاح والعنصرية. 

وبينما تتصاعد الأحداث الدرامية لتبلغ ذروتها في دوامة من العنف والوحشية، يغيب الالتزام العاطفي تجاه أي من الشخصيات التي تفتقر جميعها إلى أدنى ذرة من السحر أو الإنسانية، والمحصلة هي تقليل القوة العاطفية للفيلم. 

Eddington (2025)
Eddington (2025)

أولوية آستر في “إدنغتون” هي التعبير عن السخط بأقصى قدر ممكن من الغضب، وهو أمر لم يحققه إلا جزئيًا خلال النصف الأول من فيلمه الجديد. ثم عندما يندلع العنف، يستخدم آستر سيطرته على إيقاع الفيلم لإعادة تفسير رموز أفلام الغرب الأمريكي بطريقة عدمية وقاسية. في منتصف الفيلم الذي تبلغ مدته ساعتين ونصف، يكرس آستر نفسه لزيادة التوتر والعنف، ويُطلق العنان لأفضل ما لديه كمخرج؛ ولكن فقد فات الأوان لإنقاذ هذه التجربة الفاشلة في التحليل والتأمل في الماضي القريب. 

ربما كان الفيلم يستحق التعمق فيه لفترة أطول. أو ربما مخرج آخر لديه أفكار أكثر صلة وأصالة ليقدمها.

اقرأ أيضا: «صوت السقوط»… بهيّ بأجوائه الجنائزية

شارك هذا المنشور

أضف تعليق