فاصلة

مراجعات

«أنواع من اللطف»… يورغوس لانثيموس يثبِّت مخالبه!

Reading Time: 3 minutes

مع كل فيلم للمخرج اليوناني يورغوس لانثيموس نخرج من الصالة، مشوّشين، مرتبكين، ولا نعرف تمامًا ماهية الشعور الذي ينتابنا. فبعد مضي دقائق من بدء الفيلم، ندرك أننا أمام عمل كبير. في المسابقة الرسمية لـ «مهرجان كانّ» هذا العام يقدّم لانثيموس فيلمه «أنواع من اللطف» Kinds of kindness بعدما حصد «الأسد الذهبي» في «مهرجان البندقية» الأخير عن «كائنات مسكينة» Poor things. 

يعود لانثيموس في الفيلم الجديد بعنصر الصدمة والاستفزاز الذي يُبهرنا تحديدًا، مع غرابة القصص التي يرويها، فهي خارج حياتنا اليومية، بل يمكن أن تكون خارج هذه الحياة في المجمل، لكنّها قريبة بشكل مخيف من ذواتنا. شخصيات لانثيموس روبوتية، محاطة بوحدتها حتى عندما تكون وسط العائلة أو الأصدقاء أو الزملاء. يعيش هؤلاء الرجال والنساء في عاطفة مكبوتة. يوضعون في كابوس سينمائي يدور في فضاء يومي مألوف يلتفّ حول نفسه، ويخنقهم جميعًا. واقع يسحق الأنا، ويحرمها تفردّها، ويجعلها أكثر وحدةً، ومهووسة بالوقت الذي يلقي بها في هاوية عقلية دائرية تعيد نفسها.

لا يتعلّق «أنواع من اللطف» حقًا باللطف، بل بمدى استعداد الناس للذهاب إلى الجحيم حتى يحبّهم الآخرون. مرة أخرى، يغامر لانثيموس بموضوعات الشعور والانتماء، ويطلق العنان للغرابة على الشاشةـ ويسنح لنا الاستمتاع بلحظاته الفكاهية والصادمة والسخيفة والبشعة في بعض الأحيان. في الفيلم، يبدو أن كل شيء على ما يرام، الأحداث تجري في الفيلات الفسيحة، والملابس الأنيقة، والأثاث المصمم، والمكاتب وغرف النوم التي لا تحتوي على أي هواء للتنفس.

يتكون الفيلم من ثلاث قصص مستقلّة ولكن يجمعها الممثلون ذاتهم، بشخصيات مختلفة (إيما ستون، ويليام دافو، جيسي بليمونز، هونج تشاو، مارغريت كوالي) ولكل قصة عنوان («موت RMF»، و«RMF يحلق»، و«RFM يأكل الساندويتش»). في الأولى، يقوم الموظف الذي يتحكم مديره بكل مجريات حياته، بفعل أي شيء من أجل إرضائه، وفي الثانية يعتقد شرطي أن زوجته التي عادت بعدما كانت مفقودة في البحر، شخص مختلف. وفي الثالثة، يبحث أعضاء طائفة دينية عن شخص يفترض أن يعيد الموتى إلى الحياة.

شيئًا فشيئًا، ينزلق كل شيء إلى حدود المستحيل. يحدث تناقض كبير إلى درجة أننا نتعجّب من دافع «أي شيء» يقترحه لانثيموس منذ البداية إلى النهاية. والمشكلة أنه ليس لدينا أي فكرة عما سيقدمه بعد دقائق. 

هناك تكرار موضوعات في الفصول الثلاثة، تتعلق أحدها بالموضوع الذي يقترحه العنوان نفسه: كيف يؤدي الكرم والتفاني («اللطف»، على سبيل المثال) إلى نتائج عكسية وإشكالية. وبعضها الآخر يرتبط أكثر بالشخصيات والبشر: المرض، والألم الجسدي، والأطباء والمستشفيات، وزيادة أو فقدان الوزن، والعلاقة مع الحيوانات، والجنس بجميع أشكاله، والحوادث بجميع أنواعها. الهوية الممزقة هي الحلوى التي يحبّ أن يسلّي بها المخرج اليوناني يورغوس لانثيموس نفسه. لهذا إذا اقتربنا من «أنواع من اللطف»، نرى هذا التمزق من دون حرص كبير على احتضان أو فهم الفوضى المطلقة التي تتمثّل في الإنسان. في ثلاث ساعات تقريبًا، يطرح لانثيموس معضلة وجودية على شكل قصص بسيطة، طفولية بعض الشيء، تتحول إلى فيلم غامض عن الهوية.

بعد دقائق فقط من بداية «أنواع من اللطف»، تتبدّى لمسة المخرج اليوناني. هذه بلا أدنى شك ميزته، بصمته الإخراجية صارخة، يشهرها منذ البداية بغطرسة ماكرة، لمسته البصرية تقفز إلى العين، بين حركة سريعة، فبطيئة، ثم الثبات في الأماكن الصاخبة، ثم التقلب بين المشاهد القريبة الثابتة، والاستخدام المتكرر للعدسات ذات الزاوية العريضة التي يشوه بها المخرج عالمه. حتى حوارات لانثيموس المنمّقة، يسهل التقاطها منذ البداية، الكلمات الحادة والتعابير المسننة التي تقال في زمانها وترتيبها.

في جديده، يثبّت لانثيموس مخالبه، ويقدم عملًا كبيرًا ينتمي إلى كوميديا «سوء الفهم»، ويصبح سوء الفهم هذا هو الهدف الحقيقي مع بدء ألاعيبه. «أنواع من اللطف» فيلم مقسوم على ثلاثة، لكن النفوذ لرأس الهرم، وهكذا يمرر المخرج فكرة ارتباط البشر بالسلطة.

اقرأ أيضا: «ميغالوبوليس».. مؤسفٌ أن العالم أكبر من أن يسعه فيلم

شارك هذا المنشور