من يشاهد فلم «أنت الكون U ARE THE UNIVERSE»، المعروض حاليًا ضمن برنامج مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي 2024، سيلاحظ أوجه الشبه بينه وبين فيلم «قمر Moon» للمخرج دنكن جونز، من ناحية الموقع العام للأحداث، وكذلك في التركيز على شخصية واحدة تعيش في عزلة ضمن عالم فسيح فوق قمر قد يكون هو قمر الأرض، او قمر لكوكب آخر بعيد. في فيلم «قمر» لا يسلي وحدة البطل «سام روكويل» سوى برنامج ذكاء صناعي متكلم «أدي الدور صوتيًا كيفين سبايسي» يشكل شريكًا استثنائيًا في الحوار والتفاعل وإلقاء النكات. الخط نفسه يتكرر في فيلم «أنت الكون»، وبشكل عام يشترك الفيلمان في محاولاتهما استخدام الخيال العلمي أسئلة فلسفية وإنسانية عميقة تتعلق بالذات، والهوية، والوحدة، والاحتياج.
ومثل غيره من أفلام الخيال العمي التي تدور أحداثها أو جزء منها في الفضاء، يظهر في الفيلم بجلاء تأثره بـ«أوديسا الفضاء 2001: A space Odyssey» لستانلي كوبريك، ويظهر هذا التأثير في تحية واضحة قدمها الفيلم لأوديسا الفضاء من خلال استخدام مقطوعة من أوبرا «هكذا تكلم زرادشت» لريتشارد ستراوس، التي استخدمها كوبريك في افتتاح مشاهد أوديسا الفضاء.
«أنت الكون» هو أول فيلم طويل للمخرج الأوكراني «بافلو أوستريكوف». في الفيلم، يعيش البطل وحيدًا فوق قمر تابع لكوكب المشترى، يتسلم النفايات النووية ويطلقها بعيدًا في الفضاء، يرافقه في عمله روبوت ذكي. وعلى الرغم من عزلته يؤنسه الأمل بالعودة لأحبائه في كوكب الأرض، ولكن فجأة ينفجر كوكب الأرض قاضيًا على آماله بالوطن والرفقة.
لا يهتم الفيلم بتقديم مبرر أو سبب لانفجار الكوكب، مكتفيًا بمتابعة الأثر حيث تعيش الشخصية وقد انقطعت روابطها مع العالم. يتعامل البطل ببرود وإنكار مع الكارثة، ويستمر في ممارسة روتينه اليومي إلى أن يكتشف فيما بعد أنه ليس الناجي الوحيد، إذ تتواصل معه امرأة فرنسية من مكان بعيد. يتطور التفاعل بينهما من حديث غريب بين غرباء إلى علاقة تنمو تدريجيًا، ليقع الرجل في حبها ويقرر المخاطرة بحياته لإنقاذها، رغم صعوبة المهمة وخطورتها. ومن هنا تبدأ رحلة مليئة بالتحديات والمخاطر.
فلم «أنت الكون» تميز كعادة هذا النوع بالمقارنة البصرية بين اتساع الكون وضخامته، في مقابل وحدة البطل وضعفه وضآلته، إضافة لتمكن الفيلم من لمس المشاعر الأساسية للجنس البشري، مثل الاحتياج الحاد للاتصال بالآخرين في مواجهة الوحدة والعزلة المفروضة عليه، إذ لا تكفي الآلة في سد فجوة المشاعر البشرية والاحتياج العاطفي التي نحملها جميعًا.
رغم اعتماد الفيلم على بطل واحد طوال الوقت، وبمشاركة صوتية فقط من الروبوت الذكي والمرأة، إلا أنه استطاع ان يتجاوز زمن عرضه من دون أن يصيب المشاهد بالملل أو فقد الانتباه، وكان هذا تحديًا حقيقيًا لنجاح الفيلم، فلم ينفلت الإيقاع إلا لبضعة مشاهد في منتصفه.
ومع أن الفيلم بشكل عام يطرح فكرة نهاية العالم، إلا أنه لا يركز على أهمية هذا الحدث إلا من جانب استثمار فكرة وجود فرد وحيد في عالم متسع، وطريقة تعاطيه مع هذه الأزمة، من خلال خلق علاقة إنسانية ولو كانت بعيدة مع فرد آخر، جسد الفيلم هذا المفهوم من خلال عدة مشاهد اتضحت من خلالها صورة هذا التعلق الإنساني من خلال وضع البطل في مواقف ينقطع فيها الاتصال بينه وبين غيره، فنراه في حالة مضاعفة من الهشاشة والحساسية.
هنا نتوقف قليلًا لنشيد بأداء الممثل «فولوديمير كرافشوك»، إذ نقل بحساسية عالية حالة البطل الذي يجد نفسه في مواجهة المطلق، ويحمل فلوديمير الفيلم على كتفيه وحيدًا، فنحن لا نرى غيره على الشاشة وإن سمعنا صوت الحبيبة أو الروبوت الذي حضر بأداء صوتي حيوي وساخر أضفى روحًا خففت من قتامة أجواء العمل الذي يستغرق في مفاهيم الوحدة والنهاية والموت.
بالرغم أن الفيلم تجاهل تقديم نوع من الخلفية البسيطة على الأقل عن البطل وعلاقاته بالأشخاص الذين فقدهم على الأرض، فحتى بعد موت الجميع لم يتضح هذا الأثر بشكل جلي على البطل، مما جعل الشخصية تبدو منفصلة تمامًا عن ماضيها وكأنها فعلًا كائن غير مرتبط بأي شيء على الأطلاق، حتى عندما حاول الروبوت الذكي أن يتكلم حول أثر نهاية كوكب الأرض على البطل، وبأنه بتجاهله له يعيش نوع من النكران.
مع ذلك استطاع الفيلم أن يستثمر حالة التواصل الجديد مع إنسان آخر بشكل يوضح كيف أننا فعلًا نحتاج لشخص ما لنتحدث ونتواصل معه حتى ولو بشكل بسيط. إذ أن الفيلم عبارة عن رحلة بسيطة من أجل انقاذ من نحب، هذا على الأقل ما يظهر، ولكنها فعلًا هي رحلة من أجل انقاذ أنفسنا من براثن الجوع النفسي والوحدة القاتلة.
اقرأ أيضا: جوان هو و«كلب أسود» منبوذا «الحلم الصيني»