بنهاية حفل الختام هذا الأسبوع لمهرجان أفلام السعودية، يكون المهرجان قد أنهى إحدى عشرة دورة و سبعة عشر سنة منذ وضع الأستاذ الشاعر، وعراب الحِراك السينمائي السعودي، أحمد الملا بذرته الأولى، ثم رعاها طيلة هذه السنوات. ولذا فإنه لم يتمالك نفسه وبدا متأثرًا للغاية وهو يُلقي في حفل الختام قصيدته الجميلة والمؤثرة:
في كل دورة يحق لي القول، كنت غافلًا فانتبهت
وأعود… كمن رأى
كأننا رأينا هذا الفيلم.. مسبقًا
ملامح نعرفها إذا اقتربت اللقطة …
يلتفت المشاهدون إلينا
كلما تأخر الممثل عن الظهور
إذا بكت حبيبته..
هزوا رؤسهم
غامزين في اتجاهنا بريبة
وما أن تتصاعد الموسيقى بإيقاع يشي بكارثة
حتى يتهامسوا
وتطفر أسماؤنا من بين أسنانهم
نداري وجوهنا عنهم غاطسين في الشاشة،
مدّعين الدهشة،
في حين أنّنا خائفون مما سيأتي؛
ماذا لو ماتَ البطل
في حادثِ سيْرٍ اعتباطي
وانتحرتْ حبيبتُه..
أو اختطفتْ عصابةٌ طفلَهما. .
هل سنصرخ بأنّ ذلك لن يحدث
وأنّ الممثلين باقون، سيهرمون
بعد قليل،
ويعودون إلى بيوتِهم
آخرَ الفيلم…
لكأنّما مأساةٌ أليمةٌ موشكة؛
أو موتٌ فجٌّ يختبئُ في النهاية،
ما نراه أمامنا يهيّئُنا….
نحاولُ التذكّرَ بشدّة،
نتمنّى لو نوقفُه،
لو نتفحّص المشاهِدَ ببطء،
لكنّنا لسنا متيقّنين بعدُ؛
فلم يسبق لنا مشاهدةَ حياتنا
على الشاشة
بكلِّ هذا الغموض.

من دواعي اعتزازي الدائم تجاه هذا المهرجان أنني كنت حاضرًا وشاهدًا على بداية التأسيس، وعضوًا في لجنة التحكيم، في دورته الأولى عام 2008، لذا فقد أعطاني هذا استحقاقًا طريفًا، بالدخول قبل يومين من حفل الختام في نقاش حاد، نتبادل فيه النعوت، ونسعى إلى الاستحواذ في الحديث، وترتفع معه الأصوات، ليحاول كل منا إثبات صحة رأيه، وسلامة وجهة نظره، حول أمرٍ يعتقد كلانا أنه من صالح المهرجان.. لم أكن لأعرف وأدرك تمامًا شيئًا مما يعيشه ويعانيه «أبو مالك» في إدارة المهرجان، وتنظيمه في كل عام، ولكنه بطريقته الفريدة يعطيك الحق في مجادلته، وكأنك أنت من أسس هذا المهرجان وليس هو!! إنها الطبيعة التي يمتلئ فيها قلب هذا الشاعر طيبة، وصدقًا، وشجاعة، وقتالا في نفس الوقت،.
من البديهي أنني بدأت هذه المقدمة بهذا الثناء المُستحق، لأني لا أريد أن أكرر كلامًا، ذكرته أنا أو قال به غيري سابقًا حول المهرجان؛ منجزاته وتطلعاته، لا أريد أن أكتب شيئًا تقليديًا حول ما تم تحقيقه، وما نحن في انتظاره مستقبلًا، سأتجاوز الحديث عن جمالية تنظيم المهرجان، وازدياد الحس الدعائي عنه، بأكثر من طريقة، أو عن حفاوته المُثلى بالمشاركين والضيوف، أو عن تعزيز دعمه الكبير عبر سوق الإنتاج لعدد غير قليل من المشاريع المستقبلية المتنوعة، سأذكر فقط نقطة واحدة ربما أنجح في التدليل والبرهنة عليها، ولأكون أكثر إنصافًا وموضوعية، ربما يجدر بي أن أطرح الأمر بطريقة التساؤل: «هل يمكن أن يكون المهرجان متقدما على جمهوره؟!»، بطبيعة الحال ليس هناك من مهرجان بلا جمهور لكني أعني شكلًا مختلفًا من الجمهور؛ الجمهور الذي يملك الشغف الحقيقي للمشاهدة، والتفاعل، والمشاركة، في أنشطة وفعاليات المهرجان.

فبحسب ملاحظتي خلال أيام المهرجان؛ كنت أشعر أن الحضور لمشاهدة مجموعات الأفلام، والتي تم برمجتها بشكل مناسب بداية من الساعة الرابعة، لم يكن كافيًا وأصاب المخرجين وصناع الأعمال القصيرة بخيبة نوعا ما، ومن واقع التجربة أيضًا؛ كان العرض الأخير ليلًا للفيلم الطويل مثل «ثقوب»، و«أناشيد آدم»، خاليًا من الحضور، وكذلك الحال في كثير من عروض الأفلام الموازية! لا يمكن أن تُجبر الناس على الحضور، والتفاعل، ومشاهدة تجارب الآخرين، لكنني أعتقد أن على المهرجان وبطريقة ما السعي إلى تحفيز الجمهور وتعزيز الروح النقدية، عبر النقاشات والندوات وغيرها. لأني أعتقد أنه بقدر ما يسعى المهرجان لدعم صُناع الأفلام، ومسيرة الأفلام السعودية، بقدر ما يجب أن يكون الجمهور هدفًا له، في تحفيز الشغف السينمائي والذائقة الفنية، وهنا أكثر من طريقة وبرنامج واستراتيجيات يمكن أن تحقق هذا الهدف. فبعد سنوات من إطلاق المهرجان وتتالي دوراته لا يمكن أن نصل إلى هذا التساؤل: «هل المهرجان متقدم على جمهوره؟!»
اقرأ أيضا: خمسة أفلام قصيرة من مهرجان أفلام السعودية 11: قراءة نقدية (2)