بعد أيام، سوف نجتمع على الكروازيت في كانّ، وتحديدًا في «قصر المهرجانات والمؤتمرات» الذي يحتضن الدورة 77 من «مهرجان كانّ السينمائي الدولي» التي تستمر بين يومي 14 و25 مايو الجاري.
يستضيف المهرجان العريق، هذه السنة، أعمالًا جديدة طال انتظارها، أبدعها مخرجون مخضرمون وصاعدون على حد سواء، عبر أقسام المسابقات: الرسمية و«أسبوعي المخرجين»، و«نظرة ما»، و«أسبوع النقاد». ثم ستأتي الجوائز – وعلى رأسها السعفة الذهبية، أهم جائزة سينمائية عالمية- التي ستحدّد مسار الأفلام المعروضة عندما تستقبلها صالات السينما حول العالم.
لا تزال تفاصيل الأفلام المعروضة والمشاهد والصور الترويجية تتدفّق كل يوم، و”التشكيلة” مبهرة بالكامل. جميعنا متحمّسون لمشاهدة فيلم فرانسيس فورد كوبولا «ميغالوبوليس» (Megalopolis)، وملحمة يورغوس لانثيموس الجديدة «أنواع من اللطف» (Kinds of Kindness) التي تصل مدّتها إلى ثلاث ساعات تقريبًا، إلى جانب أحدث أفلام ديفيد كروننبيرغ «الأكفان» (The Shrouds)، الذي سنشاهده وأيدينا على وجوهنا بلا شك! ولا ننسَ أفلام الإيراني محمد رسولوف، وبول شرادر، والإيطالي باولو سورنتينو، وأندريا ارنولد، وشون بيكر، وفيلم كيفن كوستنر الجديد الذي يعود إلى إخراج أفلام الويسترن، وجورج ميلر الذي يعود بفيلم «ماد ماكس» جديد، وأوليفر ستون. كل هذه الأفلام ننتظرها بفارغ الصبر، لكن هناك بعض الأفلام التي أنتظرها، ليس للكتابة عنها بالضرورة، بل لمحبّتي الشخصية لمخرجيها وكتّابها. هي أفلام تعنيني شخصيًا، وهذه بعضها:
- «لست أنا» (C’est Pas Moi) ـ ليوس كاراكس
إنّه مشاغِب السينما الفرنسية، ووريث الموجة الفرنسية الجديدة. ليوس كاراكس معروف بأسلوبه الشعري وأفلامه التي تجمع بين الغرابة والسوريالية والتراجيديا، مع جموح دائم إلى التجريب. الفنان الكامل الذي يعبّر عن الحب بقسوة، والحزن بمرارة، الذي يدافع عن أهمية الفن ومكانة السينما، والعامود الفقري لموجة «Cinema Du Look»، يعود بفيلمه الجديد الذي سيعرض في مهرجان كانّ (Cannes Premiere). فيلم «لست أنا» (40 دقيقة) صورة ذاتية، مكتوب بضمير المتكلم، يسترجع فيه المخرج أكثر من 40 عامًا من الاعمال السينمائية، معيدًا اكتشاف الشخصيات في أعماله، يغوص في محطات حياته الكبرى ويلتقط التطورات السياسية التي عايشها والتي أثرت في منجزه السينمائي في وقتها.
صرّح كاراكس عن ظروف تصوير العمل، قائلًا: «كان من المفترض أن يراوح الفيلم 10 إلى 15 دقيقة، وهذه المرة الأولى التي أتولّى فيها مونتاج أحد أفلامي. عندما انتهيت، تبيّن أنّه 40 دقيقة! لقد صوّرت لمدة أسبوع مع دوني لافان (الممثل الذي ظهر في معظم أفلام كاراكس). أما باقي المشاهد، فهي من أرشيفي ومن أشخاص آخرين ومن ذاكرة هاتفي».
لا أدرى إن كنت سوف أحبّ الفيلم، لكن الأكيد أنّني سأشاهده، فهو عمل أنجزه مخرج يعرف أنه حرّ في فعل ما يشاء، وهذا تحديدًا ما يجعل كاراكس متفرّدًا للغاية.
- «المادة» (The Substance) – كورالي فارغيت
ظهرت المخرجة الفرنسية كورالي فارغيت للمرة الأولى عام 2017، بفيلم حمل عنوان «انتقام» (Revenge). فيلم استفزازي، مفاجئ إلى حد ما، صفعة لم أكن مستعدًا لها بصراحة. كما يشير عنوانه، فهو رحلة بصرية مذهلة تتحول فيها امرأة تدعى جين من ضحية إلى منتقمة. الفيلم عنيف جدًا، وأنيق، يدفع الإثارة الانتقامية إلى حدود جديدة. أضفت فارغيت على رواية الانتقام التقليدية منظورًا نسويًا، حيث خرّبت التوقعات وتحدت افتراضات الجمهور حول الشخصيات النسائية في السينما. وهذا العام تشارك فارغيت في المسابقة الرسمية في «مهرجان كانّ»، بفيلمها الثاني «المادة».
ثلاثة أسباب جعلتني متحمسًا لفيلمها الجديد، الأول هو فيلمها الأول، والثاني هو ملخص فيلمها الجديد، والثالث هو ما قاله المفوض العام لمهرجان كانّ تييري فريمون عن الفيلم خلال المؤتمر الصحافي.
ملخص فيلمها الجديد يشي بالكثير: «هل حلمت يومًا بنسخة أفضل من نفسك؟ أنت، ولكن أفضل في كل شيء. عليك تجربة هذا المنتج الجديد، إنه يسمى المادة. باستخدام المادة، يمكنك إنشاء شخص آخر: أصغر سنًا، وأكثر جمالًا، وأكثر كمالًا الخ. كل ما عليك فعله هو مشاركة الوقت: أسبوع واحد لكل صفة تريدها. توازن مثالي لمدة سبعة أيام للكل… سهلة؟ إذا احترمت التوازن… ما الخطأ الذي يمكن أن يحدث؟»
««المادة» فيلم من النوع الدموي، رعب جسد حازم، في النهاية هناك الكثير من الدماء على الشاشة»، هذا ما قاله تييري فريمون عن الفيلم. ثلاثة أسباب كافية لندخل إلى الصالة، بالإضافة إلى رؤية الممثلة ديمي مور مرة أخرى على الشاشة.
سينما فارغيت تشبه كثيرًا سينما مواطنتها جوليا دوكورنو، التي حصدت السعفة الذهبية عام 2021، عن فيلمها «تيتان». فهل سنرى سعفة ذهبية ثانية تذهب إلى مخرجة فرنسية وفيلم رعب جسدي دموي جديد هذه السنة ايضًا؟
- «رحلة كبرى» (Grand Tour) ـ ميغيل غوميز
ظهر المخرج البرتغالي ميغيل غوميز إلى العالمية بفيلمه «تابو» (Tabu)، الذي شارك في «مهرجان برلين» عام 2012، وفاز بـ «جائزة ألفريد باور» (الدب الفضي لفيلم روائي طويل يفتح آفاق جديدة)، ثم بعد ذلك في «مهرجان كانّ» عام 2015، بفيلم من ثلاثة أجزاء تبلغ مدته ستّ ساعات هو «الليالي العربية» (Arabian Nights)، المقتبس بشكل فضفاض عن هيكل كتاب «ألف ليلة وليلة»، حيث شهرزاد الجميلة تروي قصصًا لشهريار، وعلى نمط ألف ليلة وليلة، فالفيلم عبارة عن مجموعة من القصص، وكل قصة منها عبارة عن فوضى سردية. يستهدف العمل بوضوح الإصلاحات الاقتصادية التي فرضتها القوى المالية الدولية على البرتغال، ناسجًا قصصًا واقعية وحكايات مجازية عن الطبقة العاملة. ينتقد الفيلم العبثية الأخلاقية للاقتصاد المعولم، ويتأمل في نهاية عصر الهوية الوطنية وتراجع القوى الأوروبية القديمة.
أفلام البرتغالي طموحة جدًا، لا يحدها شيء. تمزج بين سوريالية بونويل الساخرة، والواقعية الاجتماعية السوفييتية، والمسرح البريختي، وسينما التحريض لغودار.
فيلمه الجديد «رحلة كبرى» المشارك في المسابقة الرسمية يأخذنا إلى بورما عام 1917، ويدور حول إدوارد، الموظف الحكومي في الإمبراطورية البريطانية، الذي يهرب من خطيبته مولي في يوم زواجهما. لكن خلال أسفاره، يفسح الذعر مجالًا للكآبة. يتأمل ادوارد في فراغ وجوده متسائلًا عما حدث لمولي، أما مولي العازمة على إتمام الزواج، فتتبع أثره في هذه الجولة الآسيوية الكبرى.
- «ليمونوف» (Limonov – The Ballad) ـ كيريل سيريبرينيكوف
في عام 2017، حوّل المخرج البولندي بافيل بافليكوفسكي كتاب «ليمونوف» (2011) للفرنسي إيمانويل كاريير الذي يرصد حياة إدوارد ليمونوف (1943 – 2020)، الكاتب والشاعر والمتمرد السياسي – وأسوأ كوابيس فلاديمير بوتين- إلى سيناريو. خطط بافليكوفسكي لإخراج الفيلم ولكنه كشف عام 2020 أنه فقد الاهتمام بالشخصية وتخلى عن خططه لإخراج الفيلم.
المشاغب الروسي والمخرج كيريل سيريبرينيكوف، المعارض للنظام الروسي، قرّر أن يخرج الفيلم الذي سيعرض في المسابقة الرسمية لـ «مهرجان كان». الفيلم هو سيرة ليمونوف ورحلة عبر روسيا وأميركا وأوروبا خلال النصف الثاني من القرن العشرين. ليمونوف ــــ كما يصفه ملخّص الفيلم ــــ هو مناضل ثوري، وبلطجي، وكاتب سري، وخادم لمليونير في مانهاتن، لكنه ايضًا شاعر يلوح بالسيف، يعشق الجميلات، ومحرّض سياسي وروائي كتب عن عظمته.
- «سيناريوهات» (Scenarios) – جان لوك غودار
ما هو الفيلم الذي أتم إخراجه أحد أعظم مخرجي السينما على الإطلاق قبل أربع وعشرين ساعة من وفاته؟ سنكتشف ذلك في «مهرجان كان»، وتحديدًا في قسم «كان كلاسيك». انتهى غودار من تصوير «سيناريوهات» قبل يوم واحد فقط من الإنهاء الطوعي لحياته. لا نعرف الكثير عن الفيلم بخلاف أنّ مدته تبلغ 18 دقيقة، وبمقدمة تصل إلى 34 دقيقة كتبها غودار بنفسه. وُصف الفيلم بأنه مزيد من الصور الثابتة والمتحركة في المنتصف بين القراءة والرؤية.
هذه هي الأفلام التي أطير إلى كان 77 وكلي شوق لمشاهدتها، فما الذي تنتظره أنت؟
اقرأ أيضا: كان 77… «كوبولا» ينافس 5 كبار آخرين على السعفة الذهبية