الطريق إلى بطولة فيلم «صيفي»، الذي مثل المشاركة السعودية الوحيدة في المسابقة الرسمية لمهرجان البحر الأحمر في دورته المنتهية، كان طريقًا طويلًا، بدأ بصاحبه من سوريا التي ولد ونشأ وعمل فيها في سنى شبابه الأولى قبل أن تحتضنه الرياض، ليصبح الفنان أسامة القس واحدًا من نجومها.
قبل بطولة «صيفي» شارك القس في أعمال عديدة، معظمها في مجال الدراما التلفزيونية، بدأها من مسلسل «المشهد الأخير» في عام 2000، وهو العام الذي انتقل فيه القس من عمله بجامعة البعث في دمشق ليصبح مدربًا بورشة التدريب المسرحي بالرياض. وتعددت بعدها مشاركاته في الدراما والرسوم المتحركة كتابة وتمثيلًا وإخراجًا وإنتاجًا أيضًا.
4 سنوات من الغياب
ومع الانفراجة السينمائية في السعودية، فتحت السينما ذراعيها للقس، فشارك أولًا في «آخر زيارة» للمخرج عبد المحسن الضبعان، وبعد «آخر زيارة» بسنوات أربع، عاد القس إلى السينما مع «صيفي» في خطوة أخرى نحو أداء الشخصيات المركبة والجديدة على الشاشات السعودية.
كان الفارق الطويل الفاصل بين فيلميه «آخر زيارة» و«صيفي» هو محور السؤال الأول الذي وجهته فاصلة للنجم أسامة القس في حوارنا معه. فرغم رحلة طويلة مع التمثيل امتدت 24 عامًا، ورغم الزخم السينمائي الكبير في السعودية لم يخض القس تجربة السينما سوى في فيلمين طويلين متباعدين.
يؤكد القس أنه بالفعل مقل في السينما، مفسرًا ذلك بأنه يفضل انتقاء أعمال من نوعية خاصة، وانه ينظر للسينما كفرصة لتقديم «فن راقِ» ما يجعله شديد الانتقائية «السينما هي وسيلتي لترك بصمة تدوم في ذاكرة الجمهور. لذا أحرص على انتقاء أعمالي بعناية شديدة، وأتجنب المشاركة من أجل المشاركة فقط».
الانتقاء لتلبية الطموح الفني
وحول إذا ما كانت سنوات عمله الطويلة في التلفزيون قد أثرت على فرصه والعروض السينمائية التي يتلقاها، يقول القس «بصراحة، لم تكن هناك عروض كبيرة بالشكل الذي قد تتخيله. ما كان يُعرض عليّ كان محدودًا وبسيطًا. لكنني أيضًا لم أكن أقبل أي عمل إلا إذا كان نوعيًا ويلبي طموحي الفني.
في التلفزيون، قد أكون أكثر مرونة وأشارك في أعمال متنوعة، لكن عندما يتعلق الأمر بالسينما، أحرص على أن تكون مشاركتي دقيقة ومدروسة جدًا. ربما لم تُعرض عليّ مشاريع ضخمة أو مميزة بالقدر الكافي، لكنني كنت دائمًا أبحث عن الأفضل وأحرص على تقديم أعمال تضيف لرصيدي الفني».
«صيفي» تجربة لا تُرفض
قادنا هذا إلى سؤاله حول أسباب حماسه لتقديم فيلم «صيفي»، وهل تتصل موافقته بكونه يتناول المجتمع السعودي في حقبة تمتاز بحنين الكثيرين إليها – فترة التسعينات- أم أن هناك أسباب أخرى.
يقول القس إن هناك عوامل عدة اجتمعت معًا لتشجعه على قبول المشاركة في «صيفي»، يُفصّلها بقوله: «أول شيء، كان وائل أبو منصور. عرض وائل علي النص قبل حوالي سنة من بدء التصوير، وهذا بحد ذاته يعكس الجدية والاهتمام بالمشروع. شعرت بأن هناك التزامًا حقيقيًا تجاه العمل. وبصراحة، أبو منصور من الأشخاص الذين عندما تتحدث معهم لأول مرة، تشعر أنك تحبهم وتحب العمل معهم».
وكان للجهة المنتجة أيضًا دور في حماس القس لبطولة الفيلم «الجهة المنتجة (تلفاز) كانت من الأسباب المهمة. كونها جهة إنتاج كبيرة وموثوقة يمنحك شعورًا بأنك بين أيدٍ أمينة. بالإضافة إلى ذلك، الشخصية نفسها كانت عنصر جذب كبير بالنسبة لي. الدور كان لافتًا ومميزًا، وشعرت أنني أستطيع أن أقدم شيئًا مختلفًا فيه. هناك أدوار عندما تقرأها تشعر بأنها تمنحك مساحة للإبداع والتعبير، وهذا الدور كان كذلك».
ويواصل: «حتى قبل أن أطلع على الورق بشكل كامل، ومن مجرد الحديث الأولي عن الشخصية، شعرت بانجذاب كبير لها. كانت الشخصية عميقة ومليئة بالتفاصيل التي يمكن أن تتعمق فيها وتكسر الجدران التقليدية للأدوار المعتادة، مما جعلني حريصًا جدًا على تقديمها».
لا مجال للأنا في التمثيل
وحول أثر عمله الطويل مدربًا للتمثيل على تواجده في مواقع التصوير السينمائي واستجابته لتوجيهات المخرجين، يقول أسامة القس «لا أسمح للأنا بأن تسيطر أو تظهر أثناء العمل. لماذا؟ لأن المخرج وائل أبو منصور من النوع الذي يتقبل الآراء ولا يفرض رؤيته بطريقة ديكتاتورية. على العكس، هو دائمًا يسعى للأجمل والأفضل، وهذا يمنحني كممثل مساحة كبيرة لإبراز كل إمكاناتي وقدراتي».
يحكي بطل «صيفي» أنه أحيانًا كانت تتكون لديه رؤية معينة لأدائه في أحد المشاهد، فكان يعرض ما يراه على المخرج الذي كان كثيرًا ما يستجيب لمقترحاته «ولله الحمد! لم يكن هناك أي صدام بين رؤيتي ورؤية المخرج. بل كان هناك نقاش بنّاء وتعاون مثمر، خاصة فيما يتعلق بتفاصيل الأداء أو اختيار الأسلوب المناسب للمشهد. كنا أحيانًا نصور أكثر من نسخة للمشهد، لأن المخرج يدرك جيدًا أن المونتاج والإنتاج قد يظهِران أبعادًا مختلفة للمشهد. وقد نكتشف لاحقًا أن نسخة معينة كانت أكثر تأثيرًا وجمالًا على الشاشة».
يواصل القس: أؤمن تمامًا بوجود رؤية عامة وشاملة للفيلم قد لا أتمكن من رؤيتها كممثل لأنني أركز على دوري فقط. أحيانًا، كممثل، أعيش إحساسًا عميقًا بالشخصية وأشعر أن أدائي صادق للغاية، لكن ما يظهر على الكاميرا قد يختلف عما شعرت به. وهنا يأتي دور المخرج بعينه الخارجية ورؤيته الشاملة، والتي يجب أن أثق بها وأحترمها.
ويشهد بان المخرج وائل أبو منصور من المخرجين الذين يتمتعون بمرونة كبيرة في التعامل «حتى ملاحظاته كانت تُقدم بطريقة سلسة وبناءة. وإذا وجه إليّ ملاحظة، أحرص دائمًا على أخذها بعين الاعتبار، لأنه قد يرى تفاصيل أو زوايا لا أراها أنا. ومن الطبيعي جدًا أن يعتقد الممثل أحيانًا أن أداءه كان الأفضل في لحظة ما، لكن ما يظهر على الشاشة قد يثبت خلاف ذلك. وهنا تكمن أهمية التعاون والثقة المتبادلة بين الممثل والمخرج».
وائل أبو منصور ذو تجربة ناضجة
وحول ما إذا كان يحرص على التعرف على المخرجين عبر مشاهدة أعمالهم أو يكتفي بقراءة النصوص المعروضة عليه، خاصة مع انتشار تيار سينما المؤلف (أن يكون المخرج هو الكاتب) في السينما السعودية، يؤكد القس أنه يحرص على مشاهدة الاعمال السابقة لأي مخرج يقدم على التعاون معه «لا بد أن أفهم طريقته، وأتعرف على أسلوبه، ولونه الفني، ورؤيته الإبداعية. من الضروري أن أتعرف على تفكيره وتوجهاته قبل أن أبدأ العمل معه».
ويؤكد القس أن الحضور الكبير للرمز في سينما وائل أبو منصور كما ظهر في فيلم «مدينة الملاهي» لم يدفعه للتردد في الموافقة على التعاون معه في فيلم «صيفي»: «على العكس، ما اظهره لي مدينة الملاهي هو أن أبو منصور مخرج واع جدًا بتجربته الإخراجية. عندما تحدث معي، كنت قد شاهدت فيلمه الطويل الأول، وأدركت تمامًا أنه يمتلك رؤية مختلفة. هو نفسه تحدث معي وأكد أنه يحاول الخروج من الإطار الذي عمل عليه سابقًا. حتى في اختياراته للممثلين، كان يحاول الانتقال إلى منطقة جديدة، حيث لجأ إلى التعامل مع ممثلين محترفين بدلًا من الأسلوب الذي اعتمده في أعماله الأولى، والذي كان يركز فيه أكثر على التجريب. هذا الانتقال كان جزءًا من محاولته لتقديم شيء مختلف».
أعجب القس بما رآه من «وعي ونضج» في تجربة أبو منصور السينمائية على الرغم من أنها ليست تجربة ممتدة في الزمن «تحدث معي – يقصد أبو منصور- مطولًا عن الفارق بين صيفي ومدينة الملاهي. هذا الإدراك والوضوح في الرؤية جعلاني أشعر بالراحة والثقة. العمل مع مخرج واعٍ تمامًا بما يفعله يطمئنني ويشجعني على تقديم أفضل ما لدي».
حقبة التسعينات القريبة منا
وعما جذبه في الشخصية التي قدمها في فيلم «صيفي»، يقول أسامة القس إنه دائمًا ما يبحث عن المشتركات بينه وبين أي شخصية يؤديها، حتى لو كانت تلك المشتركات بسيطة ويتخذ منها قاعدة للانطلاق في بناء الشخصية. وكان أكثر ما جذبه لفيلم صيفي وشخصياته هو تلك الحقبة الانتقالية التي اختارها المخرج لتدور فيها احداث الفيلم – حقبة التسعينيات- والتي صادفت بالنسبة للقس مرحلة شبابه المبكر (القس من مواليد منتصف السبعينيات). يقول الفنان «وأكثر ما شدّني في تلك الحقبة هو أن الشخصية كانت تمثل شيئًا شعرت به أو ربما عايشته في فترة من حياتي. أحيانًا شعرت وكأنني ارتديت هذه الشخصية أو اقتربت منها في بعض التفاصيل التي كانت شائعة في ذلك الوقت».
يواصل القس حديثه مؤكدًا أن فكرة الثراء السريع والصفقات الكبرى التي تحققه فجأة، كانت فكرة مسيطرة في ذلك الوقت، «كان هناك أشخاص يعملون كوسطاء في صفقات لشراء أراضٍ أو مشاريع ضخمة. حتى أنا شخصيًا مررت بلحظات حاولت فيها الدخول في مثل هذه الأمور، أو على الأقل عايشت أجواءها. يمكن القول إن هذه التجارب كانت محفزة لي، وأردت أن تظهر على الشاشة».
النص أيضًا تناول العديد من التفاصيل المرتبطة بهذه الأجواء، مثل المشاريع التي كانت تحمل شبهات نصب أحيانًا، كفكرة مشروع «حفر بئر مدين» أو تلك الأفكار التي تتعلق بمشاريع هرمية مثل «الدولار الصاروخي»، حيث كان كل شخص يحاول أن يستفيد بطريقة أو بأخرى.
«حتى رقم خمسين ألفًا الذي ورد في الفيلم، كان له دلالة خاصة بالنسبة لي. في بداية شبابي في مطلع الألفينات، كنت أفكر كثيرًا في هذا الرقم، وكنت أرى فيه مبلغًا كبيرًا يمكن أن يغير حياتي. ربما لهذا السبب حرصت على أن يكون لهذا الرقم مكانة ودلالة في الفيلم. كنت أشعر أنه لو امتلكت ذلك الرقم سأكون قد وصلت إلى هدفي الأكبر في الحياة. تحدثت للمخرج وائل أبو منصور عن هذا فأعجبته الفكرة. قلت لنفسي: »حسنًا، سنثبت على الخمسين ألف». وبدأت أعمل على فكرة الخمسين ألف، حتى في تفاوضاتي مع الشيخ مهدي، كانت كلها تدور حول هذا الرقم. فثبتّ عليه، حتى الخمسين ألف التي كانت تراكمات لم يُطلب مني تعديلها».
اللهجة الحجازية في صيفي
تدور أحداث فيلم صيفي في التسعينات في مدينة جدة غربي المملكة العربية السعودية والتي تميزها لهجات خاصة قد تستعصي على فنان نشأ بعيدًا عن تلك المنطقة وعن السعودية كلها، فكيف تعمل القس مع اللهجة الحجازية وكيف استعد لها؟ كان هذا هو سؤالنا التالي الذي رد عليه الفنان بقوله: «صراحة في لحظات معينة خوفتني [اللهجة الحجازية]. أنا شاركت باللهجة الحجازية من قبل في مسلسلات وأفلام قصيرة، لكنها كانت على نطاق ضيق، فكانت الأمور تمر بسهولة. لكن في فيلم طويل مع تواجد كبير داخل العمل! الموضوع كان مختلفًا وشعرت بالخوف».
يدور الفيلم في بيئة حجازية، وكل من شاركوا القس بطولة الفيلم ممن يتقنون هذه اللهجة «بطبيعتهم» على حد وصفه، فمنهم من عاش في الحجاز أو حتى لديهم ارتباطات عائلية فيه، مما زاد من التحدي بالنسبة له. يقول: «وحتى مع بداية قراءة النصوص وجلسات الطاولة في رمضان، شعرت ببعض الرهبة، لأنني أدركت أنني أمام مجموعة متمكنة تمامًا. لكني استفدت كثيرًا منهم، وكانوا عونًا كبيرًا لي».
لكن اللهجة لم تكن العائق الوحيد الذي واجه القس أثناء الإعداد لدوره في الفيلم ثم العمل عليه، يقول القس إن العمل مع ممثلين مخضرمين ذوي خبرة باللهجة والحياة السعودية في تلك الحقبة جعله يشعر بالرهبة، وذلك بسبب من أجواء الفيلم نفسه الذي يدور في حقبة زمنية في مجتمع لم يتسن له معايشته خلالها. يقول القس: «صيفي – الشخصية التي يقدمها- في الفيلم كان يعكس تفاصيل كثيرة، مما أضاف طبقات من الصعوبة. حتى البيئات الشعبية، من الأزقة والأحياء القديمة إلى أماكن مثل البنجلة، ثم السباحة في البحر، والتنقل إلى مواقع مختلفة، مثل العزب الخاصة بالعمال. تصوير كل هذه المشاهد في تلك الأماكن لم يكن أمرًا سهلًا أبدًا، وكان الجهد المبذول خلال التصوير من أصعب التحديات التي واجهتها».
السينما السعودية في مرحلة البناء
ختامًا، سألنا أسامة القس عن رؤيته للسينما السعودية ومستقبلها في ضوء تجربته فيها، وإن كانت السينما السعودية بدأت تتخذ خطوات نحو كسب الجمهور مع الحفاظ على القيمة الفنية معًا.
ويرى القس، أن السينما السعودية لا تزال في مرحلة البناء والتطوير، لهذا من المنطقي أن يكون هناك تركيز اكبر على كم الإنتاج وضخامته، إلا أن «الكم مع الوقت هو الذي سيفرز الكيف» أي أن كثرة الإنتاج ستمنح الفرصة لظهور أعمال مميزة في قيمتها الفنية.
ويواصل: «بالتأكيد ستكون هناك أفلام نوعية، وهناك أفلام فنية أيضًا، لكن السينما التجارية تهيمن حاليًا. السينما التي تركز على التذاكر. والنجاح في صالات السينما يحتاج إلى صناعة متكاملة تشمل التوزيع والإعلان، وهذه عناصر غاية في الأهمية. صناعة السينما بحاجة إلى اكتمال جميع جوانبها، من التوزيع إلى الإعلان وكل ما يتعلق بالإنتاج، لكي تتمكن من تحقيق إيرادات جيدة. أما بالنسبة للسينما الفنية، فأنا أعتقد أنها حققت تقدمًا ملحوظًا، خصوصًا في مجال السينما المستقلة. هناك تطور كبير في هذا المجال، ويوجد الآن كوادر متميزة في مجالي الإخراج والتنفيذ، بالإضافة إلى فنيين محترفين. ولكن قد يحتاج هؤلاء إلى مزيد من التكامل بين المخرج الجيد، الممثل الجيد، الفنيين الجيدين، والمنتج الجيد من أجل إنتاج أفلام متميزة».
اقرأ أيضا: وائل أبو منصور: شريط الكاسيت سردية بصرية واجتماعية تستحق التأريخ وهي بطل «صيفي» الأساسي