فاصلة

حوارات

أحمد باعقيل: «ناقة» و«شمس المعارف» الأقرب إلى قلبي

Reading Time: 8 minutes

أتاح التطور  السينمائي التي تعيشه المملكة العربية السعودية في الوقت الراهن فرصًا عديدة لأبنائها الموهوبين لخوض تجربة صناعة الأفلام في بلادهم بعدما صقل كثيرهم مواهبهم بالعلم في الخارج في محافل الصناعة في أوروبا وأمريكا، ولا يقتصر الأمر على الفنانين والمخرجين والمؤلفين فقط؛ بل امتد إلى غيرهم من المعنيين بمراحل الإنتاج المختلفة. 

من بين هؤلاء الموهوبين العائدين، أحمد باعقيل الذي لمع اسمه سريعًا خلال الأعوام القليلة الماضية، وهو واحد من مديري الإنتاج السينمائي ومصممي الإنتاج البارزين في المشهد الفني السعودي.

درس باعقيل الهندسة المعمارية في جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل بالدمام وحصل على درجة الماجستير في تخصصه أولا ثم في الفنون من جامعة وودبيري بالولايات المتحدة الأمريكية، وعمل محاضرًا بها قبل أن يباشر عمله كمخرج فني عام 2015 في الولايات المتحدة. وشارك باعقيل في عدد من الأعمال الفنية الأجنبية، قبل أن يقرر العودة لوطنه، ليشارك في بزوغ شمس صناعة الأفلام السعودية بشكل مستقل، ثم أسس شركة «مخزن 7»، السعودية، المعنية بتلبية احتياجات الإنتاج وخدمات التصميم الفني، وأنتج عبر شركته الوليدة عدد من الأفلام التي لفتت انتباه النقاد وحققت نجاحا جماهيريًا واسعًا، منها: «شمس المعارف» (2019)، «أغنية الغراب» (2022) ، «ناقة» (2022).

«فاصلة» التقت بـ أحمد باعقيل، وكان لنا معه حوار تحدث فيه عن مسيرته الفنية، ورؤيته لوضع السينما السعودية، وصناعة الأفلام وقضايا فنية أخرى.

فيلم شمس المعارف

شغف بصناعة الأفلام

خاض «باعقيل» رحلة طويلة للبدء في مجال صناعة الأفلام، فدراسة الفنون التي شغف بها لم تكن متاحة في السعودية، فتخصص في الهندسة المعمارية، وحصل على درجة الماجستير في المجال نفسه بالولايات المتحدة، لكن شغفه نحو صناعة السينما دفعه للبحث طويلًا عن فرصة للتمثيل من أجل إشباع شغفه به، وتمكن من الحصول على عدة أدوار في بعض الأفلام.

يقول باعقيل لـ «فاصلة»، إنه لم يرغب في أن تكون علاقته بالسينما قاصرة على مجرد الإنتاج: «أغراني عامل التمثيل بشكل عام، وكنت منبهرًا به».

ويضيف: «لم أكن أتخيل أن صناعة الأفلام في السعودية ستصل إلى ما هي عليه الآن وستصبح تخصصًا يمكن امتهانه واكتساب الرزق منه، فنحن كنا خمسة أفراد فقط يصنعون الأفلام بشغف ولا ينتظرون من ورائها ربحًا. لكن عندما وجدت فرصة في هذا المجال وأصبحت أستطيع الحصول منها على عائد مادي، تركت الهندسة المعمارية».

أحمد باعقيل

«غامرت دون تهور»

قد يرى البعض أن قرار الدخول لمجال لا يزال يخطو خطواته الأولى مثل صناعة السينما في السعودية، وترك الهندسة المعمارية؛ تهورًا أو مغامرة غير محسوبة نتائجها، لكن باعقيل مع وعيه بكونها «مغامرة فعلًا» أفاد من دراسته للهندسة في أن يحسب خطواته في الإنتاج السينمائي ويعد لها جيدًا: «غامرت دون تهور، فقد احتفظت بعملي معيدًا وباحثًا أكاديميًا بينما كنت اخوض خطواتي الاولى في السينما. فكنت اعمل قبل الابتعاث معيدًا بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل، ثم سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتحضير الماجستير في الهندسة، وأقمت في لوس أنجلوس على قرب من عاصمة السينما الأمريكية هوليوود. ومن هنا ولجت إلى مجال صناعة الأفلام، لأن مهاراتي في المعمار وحبي للسينما ارتبطا بالتصميم والإنتاج».

مع عودته للمملكة، واصل باعقيل عمله محاضرًا في الجامعة لعامين تاليين، فيما بدا اختبار وتدريب نفسه على تصميم الإنتاج عبر العمل في الإعلانات وغيرها من المواد الفيلمية القصيرة، حرصًا على اكتساب الخبرة بدون انشغال كبير يمنعه عن الاستمرار في وظيفته الأكاديمية، لكن؛ «عندما وجدت فرص أفضل غامرت، لأنني أحب التجديد».

وعن الفارق بين العمل في مشاريع العمارة، ومشاريع الإنتاج السينمائي، يشرح باعقيل أن فترة إنجاز الأفلام سريعة، حيث تستغرق نحو 6 أشهر على الأكثر، بينما في المشاريع المعمارية، قد يستغرق أحدها نحو عامين متكاملين، مؤكدًا أن ذلك كان مما حمسه لخوض تجربة تغيير مجال عمله والتوجه لصناعة الأفلام بعد دراسة دقيقة.

المنافسة ليست شرسة

وعن المنافسة في مجال عمله في صناعة الأفلام، يرى المنتج السعودي أن المنافسة «ليست شرسة»، نظرًا لان الصناعة لا تزال تتلمس طريقها؛ وعدد العاملين في مجال الإنتاج السينمائي من المغامرين لا تزال محدودة مما أتاح له فرص أكبر، يقول: «لو كان العدد ازداد قليلًا، لكان الأمر أصبح أكثر صعوبة مما هو عليه».

ويُفصِّل: «فور عودتي من أمريكا، كان هناك عدد صغير ممن اتجهوا للمجال نفسه، مثل عبد الرحمن أبو الفرج وحسن الضبعان، وغيرهم، ولكن يظل العدد قليلًا بالفعل».

لكنه يرى ان لديه نقطة قوة: «الطلب الكثير على اسمي، جعلني أكثر تحمسًا لهذا المجال. ولكن بالطبع، لو كان هناك نحو 70 شخص قبل دخولي المجال ، كان الموضوع سيكون أكثر صعوبة».

أحمد باعقيل

«شمس المعارف» والانطلاقة

وعن بدايات عمله في صناعة الأفلام، قال باعقيل إن مستهل الأمر كان في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث شارك في عدد من الأفلام القصيرة، لكن أول تجاربه الطويلة كانت من خلال الفيلم السعودي «شمس المعارف».

وأشار إلى أنه شارك في أفلام طويلة أخرى في الولايات المتحدة بالفعل، لكنها كانت وقت ما يعتبره «مرحلة تعليمية»، إذ كان واحدًا من فريق العمل وليس صانع أفلام متمرس.

تحدي التمويل

وفي حديثه مع فاصلة تطرق باعقيل لأكثر التحديات التي واجهته وزملائه في مرحلة مخاض الصناعة بالمملكة، وهي عدم وفرة الأموال لإخراج عمل جيد.

وقال: «كنت أؤدي كل المهام بنفسي، كالتصميم والتنفيذ وغيرهما، وكان أقصى ما يقدمه منتج العمل هو تزويدي بشخصين لمساعدتي في إنجاز الفيلم. كان هذا تحديًا كبيرًا، وكان أمرًا مرهقًا للغاية».

وعن التحديات الحالية كما يراها، يقول باعقيل إنها تكمن في «تضخم الأسعار»، وشرح قائلًا: «يقول البعض إنهم إذا لجأوا لصانع أفلام من خارج المملكة العربية السعودية، ستكون الأسعار أقل؛ لكن ذلك غير صحيح، فتكلفة الإنتاج بشكل عام في ازدياد، إضافة إلى ارتفاع الأسعار والتضخم، ولكن لا ألوم أي شخص يكون عليه طلب كبير، ويعطي كل الجهد لمدة تتراوح ما بين 5 إلى 6 شهور لفيلم، ويتلقى عروضا كثيرة بأسعار مختلفة».

أحمد باعقيل

وتابع: «أنا لا أتبنى فكرة التحكم في الأسعار، بقدر أن تكون الأسعار أكثر منطقية وفقا لظروف السوق الراهنة، فإذا كانت تكلفة الفيلم نحو 10 مليون ريال سعودي، يجب أن يحصل قسم صناعة الأفلام ككل على نحو 15 أو 20% من تلك التكلفة».

وفي نظره، فالمنتج الجيد «هو من يستطيع وضع التكوين المناسب لفيلمه، حتى أنا عملت في أفلام دون الحصول على ريال واحد، وأخرى حصلت منها على مقابل مادي مناسب، وذلك يرجع إلى رؤية المنتج وتفهمنا لطبيعة الإنتاج».

«مخزن 7».. محاولة لسد فراغ البنية التحتية

وعن تأسيسه لمشروع «مخزن 7»، والأسباب التي دفعته لتلك الخطوة يقول: «بعدما تخصصت في صناعة الأفلام في عام 2018 وطوال المرحلة الاولى من العمل في السعودية حتى 2020، كان عندي خطة مسبقة، إذ كنت أرى أن هناك فراغ في البنية التحتية للمجال. أنا أيضًا كنت بحاجة إلى وجود مستودع وفريق عمل ومكان يضم المصممين ومن لديهم حماس لهذه الصناعة، فالفكرة كانت لدي منذ تواجدي في الولايات المتحدة، عندما كنت أذهب لأماكن محددة لاستئجار معدات معينة، وخططت لتنفيذ مكان مثل هذا في السعودية، وسعيت لذلك فور عودتي وفي عام 2021 بدأ كيان (مخزن 7)».

حرية الاختيار

وفي إجابة عن إذا ما كان «مخزن 7» سببًا في تحجيم عمله بالأفلام المستقلة، أجاب: «غير صحيح. بالطبع (مخزن 7) بحاجة إلى المال من أجل استكمال فكرته، لكن يمنحني أنا بشكل شخصي حرية أكبر».

أضاف: «أصبح عملي بالإعلانات أقل، وأختار الأفلام التي أريدها بفضل وجود (مخزن 7)، حتى وإن كان المشروع يصنع الإعلانات لا زال، إلا أن كياني يكمن في ما أقوم به بشكل شخصي وتعاوني مع المخرج والمنتج بشكل مباشر. أما ما يقوم به (مخزن 7) ككيان إنتاجي فهو التعاون المشترك. أنا أديره وأشرف عليه فقط، ويختلف عن شخصي وأعمالي، فأنا جزء من هذا الكيان».

وعن الاختلاف الفني بين أعماله و«مخزن 7»، قال إن في عالم الإعلانات هناك ما قدمه مشروعه الإنتاجي بشكل أفضل مما قدمه هو بشكل شخصي، وذلك يرجع إلى نوع العمل وعوامل أخرى.

شارحًا: «كل عمل يمر على (مخزن 7) نتعاون فيه جميعا ونتحدث عن تفاصيله كافة وننتخب الأنسب لإدارته وصناعته. ولكن عند السؤال عن أيهما أفضل إنتاجي الشخصي أم إنتاج (مخزن 7)؛ فأنا أدع هذا إلى آراء وتقييم الجمهور. وأنا بشكل شخصي معجب بكثير من الأفلام من صناعة الكيان وأنا كنت جزء منها، وأخرى بعيدة عني وعن (مخزن 7)، وهذا الأمر يتوقف على الأمور الإنتاجية والتنسيق بين المخرج وصانعي الأفلام».

ونفى باعقيل أن يكون للإعلانات تأثير سلبي على صناعة الأفلام كما يظن البعض. قائلًا: «بالعكس، فالإعلانات جعلتنا أكثر استقلالية، ونستطيع أن نحيا حياة كريمة من خلال هذا المجال دون أي وظيفة أخرى، وهو ما يمنحنا مزيد من التفرغ الذي يساعدنا على تطوير العمل».

بحسب رؤيته، تشكل الإعلانات مساحة جاذبة للعاملين بصناعة السينما «إنتاجها سريع ولا يستغرق وقتًا طويلًا، كما أنها تحقق عائد مادي كبير، وهو ما يسمح لنا بالعمل مع أكثر من جهة ومع صناع مختلفين. ولكن المهم أن تستفيد منها دون أن تتأثر بها حتى تنسى أن تصنيع الفيلم مختلف تمامًا، ليس بحاجة إلى إرضاء العميل أو إبهار المشاهد، لكن يحتاج إلى تصميم القصة بعمق».

عمل عالمي جديد

لم تأخذ صناعة الأفلام السعودية أحمد باعقيل من مشواره المهني العالمي، حيث يشارك حاليًا في عمل جديد، كشف تفاصيله لـ فاصلة، موضحًا أنه شارك في أكثر من عمل سينمائي عالمي، ولكن هناك عمل جديد استغرق منه وقتًا طويلًا وأعرب عن أمنيته في أن تستقبله دور العرض السينمائي قريبًا، افصح لنا عن بعض من تفاصيله: «هو من إنتاج أسطول من صناع الأفلام من جميع أنحاء العالم، وكنت جزء من نحو 2500 فرد، وهو عمل ضخم واستفدت من المشاركة به للغاية، وكان هدفي أن اندمج في نسيج مختلف وتعرفت على تخصصات جديدة وكانت تجربة عظيمة، وعملت مع أفراد لا أتخيل أنني قابلتهم».

قيمة خاصة لـ «شمس المعارف» 

أما عن أفلامه المحلية، وما هو فيلمه «المفضل» قال إنه «شمس المعارف» وذلك لقيمته المعنوية، لأنه كان أول أفلامه السعودية، وعن الأعمال السعودية التي كان يتمنى أن يشارك فيها، قال إنه لا يوجد عمل محدد، فالكثير منها تمنى لو كان جزءًا من صناعتها.

وعن أكثر المخرجين الذي استمتع بالعمل معهم، قال إنه استمتع بالتعاون مع المخرج حسام الحلوة في فيلم «القيد»، والذي من المنتظر عرضه قريبًا، وأضاف: «أتمنى العمل مع المخرج محمد الملا في فيلم، لأنه من حارتنا ويقدم أعمالًا مميزة».

فيلم القيد

متفائل لـ مستقبل السينما السعودية

وعن السينما السعودية وتوقعاته لها قال إنه متفائل جدًا مفسرًا: «في الماضي كان التفاعل ضعيف في مجال الأفلام، ولم يتوقع أحد أن تحقق الأفلام عائدًا ماديًا، لكن الآن هناك أفلام مثل «مندوب الليل» و«سطار» و«هامور» و«أحلام العصر» و«شباب البومب»، وبعضها مما لم أشارك فيها بشكل شخصي، منحت المستثمر أملًا في الربح».

أضاف: «عندما يرى المستثمر أن فيلمًا تكلف 7 مليون ريال سعودي، حقق أرباحًا تصل إلى 40 مليون ريال، ذلك سيشجعه على الاستثمار في الأفلام».

مندوب الليل

التعليم في الورش التعليمة  ممتع

وعلى ما يبدو أن عمله معيدًا ومحاضرًا بالجامعة لا يزال يؤثر عليه، حيث أعرب عن سعادته الشديدة بتجربة الورش الفنية، ويحرص على التفرغ لمدة شهر كامل قبل البدء في كل ورشة ليستعد لها، حسبما كشف في حواره مع فاصلة: «هو وقت طويل، لكنني كنت مستمتع ومتحمس لذلك، وهي كانت ورشة للمحترفين، وكان هدفها إعداد شباب جاهزين للعمل بالمجال، والآن منهم من يعملون بالمجال بالفعل».

وعن العوائق التي يتخوف أن تؤثر سلبًا على الصناعة بالمملكة، قال: «تخوفي وطلبي الوحيد أن يثق الشعب بالأفلام السعودية، فالبعض يستبق الأحداث عند الإعلان عن الأفلام وتبدأ موجة من النقد».

أضاف: «حتى وإن لم يعجبهم أحد الأفلام لا يجب أن يفقدوا الأمل في الأفلام السعودية كافة، وبالطبع، المشاهد له الحق كامل في التعبير عن رأيه في الأفلام المطروحة بطريقة مهذبة».

واختتم حديثه معنا معربًا عن تفاؤله بالكم الكبير من الأفلام السعودية المطروحة، «على الأقل أصبح هناك نحو 3 أفلام سعودية في العام الواحد، وهو دعم بسخاء في مرحلة ربما لا تستمر طويلًا. لذا؛ علينا أن نجتهد ونؤكد على جودة الفيلم السعودي».

اقرأ أيضا: «الفهد» من الرواية إلى السينما… كيف تغيّر كل شيء لكي تظلّ الأشياء على حالها؟

شارك هذا المنشور