فاصلة

مراجعات

أحلام ميشيل فرانكو المُبددة

Reading Time: 3 minutes

بعد تعاونهما الأول في فيلمه الفائت «ذاكرة – Memory»، يعود ميشيل فرانكو، المخرج المكسيكي الشهير للعمل مع جيسيكا شاستين في فيلمه الأحدث «أحلام – Dreams» المعروض في المسابقة الرسمية للدورة الـ75 لمهرجان برلين السينمائي، والتي اتضح حتى الآن، أنها تحتفظ بهوية المهرجان السياسية المعُلِقة على شؤون العالم، ورغم أن فيلم فرانكو، الأكثر سياسية حتى الآن، قد أُنجز قبل وصول ترامب للسلطة إلا إنه بالتأكيد يُعلق على علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بجارتها الجنوبية المكسيك بشكل ذكي للغاية في علاقة حب ملتبسة بين امرأة أمريكية وشاب مكسيكي. 

يفتتح الفيلم بشاشة زرقاء بالكامل، ثم تظهر أحرف كلمة «أحلام» بالإنجليزية، وبداخل الحروف نبدأ في رؤية أجزاء من المشهد الأول للفيلم. شاحنة كبيرة على الشاشة، نراها في البداية ساكنة ثم قطع إليها مجددًا في الليل وهي تهتز لنسمع أصوات صراخ قوية بها، ثم قطع إلى داخلها: أجساد بشرية كبيرة مكدسة في مساحة ضيقة. بعدها نسمع صوت سيارة أخرى، وأخيرًا يُفتح باب الشاحنة لنبدأ في رؤية من بداخلها بوضوح أكبر، ضوء كبير يصدر من كشاف مسلط إلى من بداخل الشاحنة، ومن ثم نرى البشر يخرجون منها بينما رؤيتهم مشوشة بشكل ما. من وسط الجمع، يخرج شاب فتي بسرعة ليأخذ طريقه إلى أرض الأحلام: الولايات المتحدة الأمريكية. 

ميشيل فرانكو
Dreams (2025)

نتابع الشاب بينما يحاول إيجاد طريقه إلى سان فرانسيسكو سائلًا السيارات لتصطحبه، ولا نعرف تحديدًا أين يذهب أو ماذا يفعل، لا يبدو عليه التيه، بل معرفة طريقه بوضوح، فلا يضيع وقتًا لبحث عن عمل أو إيجاد مسكن في منتصف رحلته أو أي شيء آخر عدا الهروب من أعين شرطة الحدود، وأخيرًا يصل إلى بيت فخم في سان فرانسيسكو، يبحث عن المفاتيح بجانب أرجاء المنزل الفسيح، ثم يجد المفاتيح، يدخل فينام. نقطع إلى إمراة جميلة بيضاء في منتصف عمرها تدخل إلى المنزل ثم إلى الغرفة لتجد الشاب عاريًا، وسرعان ما نراهما يمارسان الحب، يعرفان بعضهما، لكن تلك المعرفة لا تبدو  أسبابها واضحة منذ البداية. 

هكذا يبدأ ميشيل فرانكو المخرج المكسيكي المعروف بأعمال مثل و«مزمن- Chronic» و«نظام جديد – New Order» فيلمه الأحدث بمقدمة تعطينا مفاتيح لفهم الدراما، فمشهد ظهور الصورة من خلال كلمة الأحلام مع بقاء الشاشة على لونها الأزرق ربما يوحي بشكل ما بأن هذه قصة ليست بالواضحة الجلية، ثم مشهد افتتاح الشاحنة حيث توجه الأضواء إلى وجه المهاجرين غير الشرعيين ربما يُذكرنا بكهف أفلاطون، حيث عاش أهل ذلك الكهف فترة طويلة بداخله، واعتقدوا الظلال الآتية من النار داخله حقيقة، ثم عند خروجهم آلمهم الضوء الشديد أو آلمتهم المعرفة فلم تستطع عيونهم تحملها. 

ميشيل فرانكو
Dreams (2025)

تتكشف الأحداث تدريجيًا فنعرف اسم الشاب المكسيكي فرناندو راقص الباليه المكسيكي، الذي عرفته جينيفير مكارثي (جيسيكا شاستين) عن طريق مؤسسة والدها التي تمول مدرسة رقص في مكسيكو سيتي. تبدو لنا العلاقة منذ البداية ذات توتر حسي واجتماعي وسياسي، فجينيفر، المطلقة التي لا تنجب، يبدو عليها أنها تعشق فرناندو وجسده الفتي، لكنها في ذات الوقت تخشى ظهورهما سوية في العلن، تود أن يكون لها عشيقًا سريًا مقابل أن تمول أحلامه وطموحاته. على الجانب الآخر يرفض فرناندو ذلك بشكل ما ويتحسس منه، ويحاول عن طريق مهاراته المذهلة في فن الباليه أن يخرج من تلك العباءة وأن يحظى بعلاقة علنية مع جينيفر وهو أمر بالتأكيد لا يرضي عائلتها الثرية، التي ربما تدعم المكسيكيين في تحقيق طموحاتهم، لكنهم بالتأكيد لا يرون فيهم أكفاء للمصاهرة. 

على غرار معظم أفلام فرانكو، تتطور تلك العلاقة تدريجيًا ببطء، نراه في تفاصيل صغيرة للغاية أثناء ممارستهما للجنس أو أثناء لحظاتهما المخطوفة في مطعم هنا أو هناك، حتى نصل إلى نقطة الغليان، التي ينقلب فيها كل شيء إلى حقيقته الكاملة، فتظهر الشخصيات دون أي أقنعة، في الفصل الأخير من الفيلم، وهو كعادة أفلام فرانكو لا يقدم أي شيء عدا نهاية مؤلمة صادمة. إلى جانب ذلك، فللفيلم جانب حسي، تظهر فيه الأجساد أثناء ممارسة الجنس كملعب للتعبير عن علاقات القوى، هنا الأجساد جغرافيات ممتدة لبلدان أصحابها، وطرق ممارسة الحب كل مرة ترينا تفاصيل تلك العلاقة دون حوار وبتفصيل دقيق ربما لا تستطيع الكلمات وصفه. 

ميشيل فرانكو
Dreams (2025)

فيلم فرانكو الأحدث هو عمل ممتاز، كباقي أعمال مخرجه، ربما يستخدم فيه أسلوبه المُقل المينيمالي وتصاعده البطيء مع نكهة حسية إيروتيكية، وربما يُقرأ على عدة مستويات، أولها يبدأ من كلمة أحلام، إذ تتبدد أحلام الشخصيتين الرئيسيتين في الفيلم فلا أحد منهم يحصل على ما يريد في النهاية، وثانيها سياسي يتعلق بعلاقة الولايات المتحدة الأمريكية بالمكسيك، وثالثها وهو ربما الأبسط أن هذه علاقة سامة بين عاقر وشاب، وفي كل الأحوال، فإن الفيلم ممتع ومُحكم مهما كان استقبال المشاهد له على أي من المستويات الثلاثة.  

اقرأ أيضا: «النور»… أرواح سورية وثلوج تفتتح البرليناله

شارك هذا المنشور

أضف تعليق