بعد فيلهما الأول «امرأة شابة» (2017، Young Woman)، عن شابة أصيبت بانهيار عصبي، بعدما طردها صديقها الثري من المنزل في أحد أحياء باريس الراقية، وفوزها بجائزة «Camera d’or» في مهرجان كان، تركز المخرجة الفرنسية ليونور سيريال، في فيلمها الثالث المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين، على انهيار شاب في مدينة ليل الفرنسية. بعدما طرده والده من المنزل لفقدانه وظيفة وفرصة أخرى لإعطاء معنى لحياته، يبدأ آري (أندرانيك ماني) في التجول على أطراف عالم غير إنساني بحثاً عن تجليات، يقوم بحركات غير خطية، في فضاء العواطف، وأيضاً في فضاء الذاكرة الشخصية والجماعية، في محاولة لاستعادة حياته من خلال أولئك الذين كانوا جزءاً منها.
الاسم، آري «Ari»، يشير إلى فعل حب الأم، التي توفيت قبل أوانها، والتي اعطته لابنها نفس اسم الابن الثاني لأوديلون ريدون، الذي سيكسب الرسام الفرنسي الفرح ليعود بالرسم بالألوان الزاهية، بعد أن تعودت لوحاته على ضربات الفرشاة الداكنة بسبب الظلام والمعاناة التي تسبب فيها موت ابنه البكر. تترك والدة آري لابنها إرثاً عاطفياً مشبعاً بالألوان والجمال والحرية، ليكبر آري ويصبح شخصاً غير متكيّف أصيب باكتئاب مفاجئ. رؤيوي ملتهب بعاطفة لا يمكن السيطرة عليها، ومخلوق سحقه الذعر من كل شيء حوله.

في «آري»، الفيلم الذي يأخذ اسم بطله، تحكي سيريال قصة بائسة أخرى، قطعة جديدة في معرضها للشخصيات الحرة، لكنها هنا تأخذ مساراً أكثر جذرية، وتدخل عناصر السينما الشعرية وتستخدم شظايا من التاريخ والفنون، خارج الزمان والمكان باستمرار. من التأمل الغامر والمبهج في لوحة “الرجل النائم” لكارلوس دوران، إلى المشي حافياً في حوض الماء في المتحف، يستمر آري في الهرب، ويعيش شدة الحدث قبل أن يتبلور، ثم يأتي بعد ذلك تدفق شاعري متموج، حيث تتداخل الكلمات والايماءات في مكان بين الوعي والذاكرة.
«آري» مثال للسينما الحرة، المصنوعة من المشاهد المتقطعة والكثافة المفاجأة. هو الحياة البالغة، التي تنظر إلى شبح الطفولة من مسافة بعيدة. «آري» فيلم لطيف، لا توجد فيه حواف خشنة، يمكنك من خلاله أن تكون سعيداً للشخصية الرئيسية، التي كانت ضائعة في البداية، لأنها وجدت قدراً معيناً من الشجاعة للعيش مرة أخرى.

بعيداً عن وجه آري الذي كانت الكاميرا تراقبه باستمرار عن قرب، فإن الفيلم هو صورة فضفاضة البنية لجيل الألفية، الذي ولد بين عامي 1981 و1995، في وقت أصبحت مشاكل العالم، التي تجاهلتها الأجيال السابقة لفترة طويلة، واضحة تدريجياً. هو الجيل الذي يسأل عن أسباب الاستمرار في العيش في مواجهة هذه المشاكل العالمية والشخصية المزعجة، وفي الوقت نفسه يجد إجابات تصالحية مدهشة، تماماً كآري.
اقرأ أيضا: «ميكي 17»… غرابة المأساة وكوميديتها