بعد غياب استمر 15 عامًا، يعود المخرج الفلسطيني اسكندر قبطي لصناعة الأفلام الطويلة بفيلمه الأحدث «ينعاد عليكو» Happy holidays ليشارك في مسابقة «آفاق» المقامة ضمن فعاليات الدورة الحادية والثمانين لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي.
قبل 15 عامًا، قدم قبطي فيلمه الأول «عجمي» الذي رُشح لجائزة الأوسكار، وفاز عنه بجائزة الكاميرا الذهبية (أفضل عمل أول) في مهرجان كان عام 2009. بعدها انسحب قبطي من السينما، واكتفى بإخراج فيديوهات تجارية قصيرة، قبل أن يعود اخيرًا هذا العام إلى السينما والمهرجانات بفيلمه الروائي الطويل الثاني الذي يحمل روح الوثائقي بين جنباته، ويحكي حكايات يومية تُعبر عن واقع معقد.
يتتبع الفيلم حكايات أربع شخصيات تعيش صراعات درامية مختلفة، بسبب ما بينها من اختلافات دينية وجيلية وثقافية واقتصادية.
أولهم رامي؛ شاب فلسطيني يعيش في حيفا وتجمعه علاقة بصديقته اليهودية، وتحمل منه لكن علاقتهما تتعقد عندما تخبره أنها تريد الاحتفاظ بالطفل، بينما تواجه حنان أمه أزمة اقتصادية تأبى الاعتراف بها وتصمم أن تقيم لابنتها فيفي أفضل عُرس ممكن لكيلا تهتز صورتها الاجتماعية أمام أقرانها، وتتشابك حكاية الأم مع ابنتها الصغرى التي تتعرض لحادث وتود أمها استخدام التقرير الطبي للحصول على مال التأمين. على الناحية الأخرى هناك حكاية ميري أخت صديقة رامي، اليهودية المتشددة والتي لا تبدي ارتياحا لعلاقة أختها بشاب عربي، وتحاول إقناعها بالتخلص من الطفل، بينما تواجه اكتئاب ابنتها على الناحية الأخرى. أخيرًا هناك حكاية فيفي التي تعيش في القدس وتخفي سرًا عن عائلتها ويهدد علاقتها بهم وبالدكتور وليد الذي يود التقرب منها.
لكل حكاية في فيلم قبطي اسم مختلف ولا تترتب تلك الحكايات زمنيًا، وإنما تتكشف رويدًا رويدًا مع كل حكاية تفصيلة في حكاية أخرى. هذه الطريقة من الحكي ربما تكون معقدة (وليست صعبة الفهم) بقدر تعقيد الحكايات والواقع الذي تعيشه الشخصيات، وهنا يأتي الشكل متماشيًا مع المضمون ما يجعل الفيلم مثاليًا في نقل مشاعر الارتباك الموجودة في طيات حواديته.
الملاحظة الثانية المتعلقة بالفيلم هي أن المخرج يستخدم أسلوبًا سينمائيًا يقارب أسلوب الأفلام الوثائقية/التسجيلية، إذ يصور دون جماليات زائدة ويعتمد على ممثلين غير محترفين يتكلمون في معظم الأحيان وكأنهم في لقاء مصور بشكل ما، خاصة في حالة رامي أو ميري، بينما تتكسر تلك الحالة نوعًا ما في حالة الأم التي تتقن تمثيل دورها أو ربما ترتاح للكاميرا بشكل يجعل من أدائها للشخصية أخاذًا مُقنعًا.
يقول قبطي أنه استوحى الفيلم عندما سمع محادثة كمراهق، تُقول فيها امرأة لابنها: «لا تقبل أن تخبرك امرأة بما عليك فعله» وتقصد بالمرأة زوجته. هذا التناقض جعل المخرج يدرك – على حد قوله – كم القيم الأبوية التي تعيش وتتنقل بداخل النساء أنفسهن. لاحقًا وخلال سنواته الجامعية، بدأ قبطي في ملاحظة الأنماط ذاتها في المجتمع الإسرائيلي، حيث يتم استغلال العديد من السرديات والطقوس لدعم واستدامة كلا من النظام الأبوي والمجتمع العسكري.
ينجح قبطي في رسم تعقيد المجتمع الفلسطيني الذي يعيش بالداخل المُحتل، خاصة على مستوى التعقيدات المتعلقة بالعادات والتقاليد المجتمعية، كما ينجح في هدم الأساطير المتعلقة بـ«مدنية» أو «ديمقراطية» دولة إسرائيل سواء من ناحية المجتمع أو الجيش أو التجنيد، أو حتى أفكار مثل مساواة المواطنين العرب واليهود في الدولة، وأخيرًا ينجح في تصوير المجتمع ليس بتصور عن واقع واحد تعيشه كل الشخصيات وإنما عن وقائع مختلفة متعددة متقاطعة يعيشون جميعهم فيها، فتخلق لهم أنواعًا مختلفة من الصراعات وتجعل الحلول التوافقية بينهم شبه مستحيلة، لكنها كلها تصل إلى نهايات، ربما لا ترضينا ولكنها بالتأكيد تثير في أدمغتنا العديد من الأسئلة المختلفة.
اقرأ أيضا: «عايشة».. آية في بلاد العجائب