اعتدنا منذ عودة فتح صالات السينما بشكل أسبوعي على استقبال إيرادات الأفلام المعروضة من هيئة تنظيم الإعلام، وبحكم طبيعة عملي ألتزم بمتابعة تلك البيانات بشكل دائم ومنتظم، كوني أعلنها وأنشرها بشكل أسبوعي على منصة X (تويتر سابقًا)، فتردني تعليقات كثيرة من العاملين بحقل صناعة السينما وما يرتبط به من حركة نقدية وصحفية تتساءل عن الإيرادات وتفاصيلها وعن ترتيب الأفلام.
في الأسبوع السينمائي لعيد الفطر، استقبلت دور العرض بالمملكة فيلم «شباب البومب»، وبحكم أن الإيرادات تعلن يوم الثلاثاء من كل أسبوع؛ بدأت الاتصالات تردني منذ صباح الأحد، متسائلة ومترقبة عن مصير وموقع فيلم «شباب البومب» في شباك التذاكر السعودي.
كان تحقيق الفيلم لإيرادات ضخمة مفاجئًا للكثيرين . ورقم 109 ألف تذكرة في أسبوع واحد حسب الأرقام الرسمية، أو 120 ألف تذكرة كما يقول بطل الفيلم فيصل العيسى وبإيرادات تصل إلى أكثر من ٧ ملايين ريال ، هو بالفعل نجاح كبير جدًا، ومتوقع أن يتزايد في قادم الأيام بشكل أكبر، وقد يقود الفيلم إلى دخول قائمة أكثر عشر أفلام حققت إيرادات في دور العرض السعودية، إن لم يتصدرها. وتكفي نظرة فاحصة لصالات السينما وجموع الأطفال التي تجري لاقتحامها – كما تظهر فيديوهات متداولة- لنعرف أن هذا الفيلم لا يزال ينتظر الكثير من الإيرادات.
لكن هناك أمورًا بالغة الأهمية ينبغي ألا تفوتنا وهي الغضب الملحوظ أو لنقل الامتعاض الظاهر لدى عديدين من محبي السينما في مواقع التواصل الاجتماعي، الذين لم يخفوا قلقهم من النجاح الجماهيري لفيلم لا يتميز بالجودة الفنية، ويعد واحدًا من الأفلام التجارية المتطايرة.
هذا القلق مشروع لما يمكن أن يكون لهذا النجاح من أثر على اتجاهات الإنتاج والإبداع السينمائي في المملكة، في وقت يجدر فيه إيلاء أولوية قصوى للجودة والتطوير.
بين «سطار» و«شباب البومب»
لنعود بالذاكرة إلى تاريخ قريب، تحديدًا ديسمبر 2022، استقبلت دور العرض فيلم «سطار» الذي سرعان ما حقق نجاحًا كبيرًا جعله يصل إلى بيع 902 ألف تذكرة في صالات السينما.
وقتها فرح المجتمع السينمائي، وكان هناك احتفال عارم بالتجربة باعتبار أن نجاحها هو نجاح للصناعة ودعم للحراك السينمائي، وتطور يستحق الاحتفاء والدعم.
كما تم عرض الفيلم وقتها في مهرجان أفلام السعودية ـ والمفترض أنه مخصص للأفلام ذات المستوى الفني الجيد ـ كعرض موازٍ، واحتفل المهرجان بالفيلم وصناعه.
هذا الموقف يقودنا إلى سؤال: لماذا جرى الاحتفاء بفيلم «سطار» وهو أيضًا فيلم تجاري، فيما جرى استقبال نجاح «شباب البومب» بالقلق والتوجس؟ هل هما فعلًا تجربتين مختلفتين؟
هناك اختلافات لا ينبغي إغفالها بين التجربتين بعضها محسوم لصالح «شباب البومب» والعكس صحيح؛ مثلًا؛ فيلم «سطار» كان مغامرة سينمائية من إنتاج ستوديو «الشميسي»، وهو جناح ستوديو تلفاز المختص بالأفلام السينمائية. أما «شباب البومب» فيفتقر إلى عنصر المغامرة واختبار ذوق الجمهور، فهو من إنتاج شركة «روتانا» التي قررت استغلال نجاح 12 موسم لمسلسل «شباب البومب»، وصناعة فيلم يحمل نفس الاسم ويعتمد على نفس الأبطال، عله يكرر نفس النجاح مستغلًا القاعدة الجماهيرية الكبيرة التي حققها المسلسل، والتي تعتمد على مسيرة البطل عامر (فيصل العيسى) ومواقفه أو أفكاره اليومية، التي تنتهي دائما بانتصاره مصحوبًا برسالة وعظية واضحة. يتفق في هذا خط المسلسل وحتى الفيلم السينمائي وكذلك مسلسلاته الأخرى.
فيلم «سطار» أخرجه الكويتي عبد الله العراك، صاحب الخبرة في صناعة الأعمال الكوميدية التلفزيونية؛ أما فيلم «شباب البومب» فمخرجه هو الأمريكي يول كايسي Yule Caise الذي يعود للسينما بهذا الفيلم بعد سنوات من التوقف.
بطل فيلم «سطار» الفنان ابراهيم حجاج، هو ممثل يملك جماهيرية كبيرة، لكن تصعب مقارنته بجماهيرية فيصل العيسى، صاحب المشروع الناجح لأكثر من 12 عامًا، ورغم فارق الخبرة بين الاثنين، أي الحجاج والعيسى، نجد هناك احتفاء نقدي بموهبة الحجاج، على عكس العيسى الذي يرتكن بشكل أساسي إلى شعبيته الجماهيرية بعيدًا عن حفاوة النقاد وأهل الفن.
وهناك نقطة اختلاف مهمة أخرى؛ وهي التناول النقدي المتباين جدًا في استقبال العملين.. فقد طالعنا العديد من المقالات والقراءات النقدية التي تحتفي بفيلم «سطار» حتى وإن كان البعض يراه فيلمًا متواضعًا لكن يراه تجربة مهمة ، على عكس فيلم «شباب البومب» الذي يتجنبه النقاد، ويتجاهلون تناوله بأي شكل من الأشكال.
حضور فيلم شباب البومب
pic.twitter.com/PmUYkaf8rT— مبارك ال مبارك (@MBk6g) April 20, 2024
نجاح فيلم «شباب البومب» متوقع وغير مستغرب، كونه يستهدف شريحة جماهيرية كبيرة خاصة من هم في أعمار بين السابعة إلى الخامسة عشر والتي برأيي مهم جدًا جذبها بطريقة أو بأخرى لحضور الأفلام في صالات السينما.
لكن الفيلم ينقصه عنصر هو الأهم في المسيرة التي تستهدفها السينما السعودية الآن، ألا وهو القدرة على حصد النجاح النقدي أيضًا أو لنقل القدرة على البقاء في الذاكرة السينمائية. ويردني هنا سؤال آخر هنا: وهل مطلوب من صناع فيلم شباب البومب الخلود في الذاكرة السينمائية السعودية؟
٦ سنوات على عودة فتح صالات السينما
كما أننا نحتفل بمرور ست سنوات على فتح صالات السينما، وبينما تزداد إنتاجات السينما السعودية؛ نجد أنفسنا في مواجهة السؤال المؤرق الذي ينتاب صناعات السينما الناشئة حول العالم: هل نسدد أنظارنا وجهودنا صوب تحقيق النجاح الجماهيري، أم نركز أكثر على استهداف الاقتراب من الكمال الفني ومواصلة مشوار وضع السينما السعودية على خريطة النجاحات والمهرجانات العالمية؟
والسؤال الأهم في هذا المقام؛ هل يغري النجاح الجماهيري لفيلم شباب البومب القائمين على صناعة السينما السعودية فيتجهون للتركيز على النجاح السهل اللامع أم أن بريق الإيرادات الوقتي السريع لن يعمي صناع السينما عن أحلامهم السينمائية ؟
أكتب هذه المقالة قبل أيام من مشاهدة فيلم (نورة) لتوفيق الزايدي في مهرجان كان وهي المرة الأولى التي يشارك بها فيلم سعودي في المهرجان، وفي نفس الوقت نشهد نجاح جماهيري متنوع ومختلف لأشكال وأطياف متنوعة للعديد من الأفلام السعودية في شباك التذاكر (شمس المعارف – سطار – الهامور ح ع – مندوب الليل – والآن شباب البومب)، ولاشك أنه على الرغم كل الملاحظات على الأفلام السعودية؛ أرى أن هذا التنوع الكبير ما بين الأفلام السينمائية، هو نتاج طبيعي ومتوقع لصناعة سينمائية مازالت تتشكل بشكل متنوع.
اقرأ أيضا: «فاصل من اللحظات اللذيذة»… كوميديا تبقى بعد المشاهدة