فاصلة

حوارات

هاني خليفة مخرج فيلم «رحلة 404» : احتفاء الجمهور بالفيلم يغني عن المهرجانات

Reading Time: 6 minutes

على الرغم من قلة عدد أعماله السينمائية، إلا أن اسم المخرج هاني خليفة استطاع أن يغدو علامة على جودة العمل، لارتباط اسمه بالتميز والاختلاف اللذان وسما مسيرته منذ البدايات، إذ ارتبطت شخصيته السينمائية بكبار المخرجين الذين عمل معهم مخرجًا مساعدًا مثل المخرج الراحل رضوان الكاشف في رائعته «عرق البلح»، والمخرج الراحل داوود عبدالسيد في «أرض الخوف» وغيرهما.

في فيلمه الأحدث «رحلة 404» المعروض حاليًا في صالات السينما العربية، يلتقي هاني خليفة مرة ثانية بنجمة فيلمه الأول «سهر الليالي» منى زكي، بعد 21 عامًا، ليقدما لنا فيلمهما الذي حمل في البداية اسم «القاهرة مكة» قبل أن تعترض عليه الرقابة المصرية وتقرر تغييره.

انتظر الفيلم فرصة العرض لمدة 4 سنوات، بعد توقف تصويره عدة مرات وتغير منتجيه، حتى رأى النور أخيرًا. ومنذ اليوم الأول لعرضه، حاز على إشادات واسعة سواء على مستوى التمثيل أو الإخراج أو التأليف أو التصوير وباقي عناصر العمل السينمائي، وكان لنا هذا الحوار مع المخرج هاني خليفة، عن «رحلة 404» وأشياء أخرى.

تلقى الجمهور «رحلة 404» بمزيج من الإعجاب والقلق الناجم عن المحاذير الرقابية التي ارتبطت باسم الفيلم، فهل أثرت الرقابة على الفيلم؟ 

الفيلم مر بصعوبات كثيرة حتى خرج أخيرا للنور، ويبدو أن ردود الأفعال بشأنه جيدة جدا

أخيرًا خرج «رحلة 404» للنور بعد رحلة طويلة من الصعوبات التي حالت دون ذلك، وحاز على ردود فعل جيدة جدًا.

الحمد لله، فعلا ردود الأفعال كانت مبُهرة بالنسبة ليّ بعد صعوبات كثيرة مر بها الفيلم، إلا أن أخبار الرقابة كانت الأكثر شيوعًا عن الفيلم، مما أحاطه بترقب وتخوفات كثيرة، زالت بمجرد عرضه، فلم نلمس أنا أو فريق العمل أي ضيق شعبي منه.

لكن لا يمكن نفي أثر الرقابة على الفيلم، لكن في النهاية هذا جزء من التحديات التي نتعامل معها. ونعم أحيانا تتعامل الرقابة بتشدد أكثر مما ينبغي، لكن هذا عملهم ووظيفتهم. والتعامل مع جهاز القرابة أمر لا مفر منه، المهم أن أخيرًا الحمد لله الفيلم عُرض.

لا أخفي شعوري بالحزن على بعض التفاصيل التي كنت أتمنى الحفاظ عليها في الفيلم، لكن الحمد لله حافظنا على جوهر العمل.

حسب تصريحات منى زكي، فإن الفيلم جرى العمل عليه منذ زمن. فكيف أثر التأخر في تقديم العمل على الفيلم؟ هل اضطررت لاستبعاد تفاصيل وخيوط معينة، أم هل ساعد التأخير على تحسين العمل؟

ما قالته منى صحيح، لكن لا يملك مخرج العمل في هذه الظروف إلا استغلالها لتحسين المُنتج، فأنا أحاول دائمًا الاستفادة من التأجيل في تحسين جودة العمل، مثلما حدث من قبل في «سهر الليالي» الذي تأجل عرضه لعامين، فاستفدت من الوقت في المونتاج وصنع موسيقى أفضل.

يجب أن نعطي للفيلم حقه في التأمل ولا نستعجل فيه، الأعمال التي تُصنع بسرعة ينقصها الجودة، لذا نحتاج لدرجة من التأني في صنع العملية الفنية، كي تجعل الجودة مُحكمة بشكل أكبر.

رحلة 404

يتركز الفيلم حول مسألة الخطيئة والتوبة، إلا أنه يبدو فيه تحديًا لسرديات الخلاص الفردي بمعزل عن المجتمع، كما يناقش سؤال الخطيئة نفسه وأبعاده وتداعياته، فكيف تعاونت مع السيناريست محمد رجاء، في تشكيل هذه الأفكار الفلسفية سينمائيًا؟

«رحلة 404» ليس العمل الوحيد الذي جمعني بالمؤلف، كما أننا نعمل على الفيلم منذ العام 2011. الإشكالية التي لاحظتها وتطرحها في سؤالك أشعر أنها أحد هواجس محمد رجاء وقد تعاونا معًا فيه منذ 2011، وتلك الإشكالية التي تتحدث عنها أشعر بأنها أحد هواجس محمد رجاء كمبدع، فقد تلمحها أيضًا في مشاهد مسلسلنا «الحساب يجمع» الذي قدمناه مع الفنانة يسرا، فرجاء دائمًا يحمل تساؤلات حول العدل والخطأ والخطيئة. وفي النهاية أنا أعمل كمفسر للنص وأتعاون مع محمد وأتبنى ما يقوله، وأعبر عنه بشكل سينمائي. 

اقرأ أيضًا: “رحلة 404″… عن الخطيئة والغفران ومساءلة القدر 

ما أكثر ما أغراك بالتمسك بالعمل معه منذ 2011؟

تفرده واختلافه وطريقته في السرد، فقد نجح في حكي قصة البطلة الساعية للحج ببراعة، فمع كل خطوة تكتشف جزءًا مختلفًا من شخصيتها وتاريخها ودوافعها الدرامية، وتشعر أنك تورطت معها من دون الحكم عليها.

 فمثلًا لو كنت صدرت في البداية أنها امرأة ذات ماضي، كان المشاهد حكم عليها فورًا، لكن اخترنا تقديمها بطريقة أخرى ذكية تجعل المشاهد يتابع رحلتها المختلفة كثيرًا.

أنا منشغل بتقديم أفلام مختلفة، وما يجذبني عمومًا لأي سيناريو هو تفرده وألا أشعر بتشابهه أو استنساخه من عمل آخر. فالعمل أضاف له مؤلفه شيء مختلف وفريد.

هاني خليفة ومحمد رجاء

بعد النجاح الكبير لـ«سهر الليالي» توقعنا أن تتوالى أعمالك، لكن حدث توقف طال حتى فيلم «سكر مر» والآن «رحلة 404». إلا أن استمرارك في إخراج المسلسلات يعكس علاقتك الطيبة بالمنتجين، فلماذا تغيب عن السينما؟ 

بعدما قدمت «سهر الليالي» رحب منتجون كُثر بالتعامل معي، ولم تكن هناك أية مشكلة من تلك الناحية، المشكلة كانت لديّ أنا، فلم أجد نصًا أتحمس لإخراجه وأشعر من خلاله أنني أتقدم للأمام أو أُقدم شيئًا جديدًا.

بعد ذلك، وخاصةً بعد عام 2010، تحول الأمر لظرف عام وبدأ الإنتاج السينمائي في مصر يتقلص مع احتقان الظرف السياسي، وبالتالي أخذت مني رحلة العثور على مُنتج للفيلم الذي قرأته من 2011 «رحلة 404» وقتًا طويلًا، حتى وجدت المنتج محمد حفظي.

وأحب أن أشكره بشدة لإيمانه بالفيلم وحماسته لتقديمه، ولأنه خاض مغامرة إنتاجية، لأن أي منتج آخر كان سيقول إن هذا النوع من الأفلام لا يُعجب الجمهور، أو إنهم لن يدخلوا فيلمًا من بطولة امرأة، أو إنه يُمكن أن يكون مزعجًا للناس وأنهم يريدون الضحك والتسلية وهكذا. عدا محمد حفظي وشاهيناز العقاد اللذان تحمسا للسيناريو وآمنا بالعمل. وأكثر شيء أسعدني في النجاح الجماهيري للفيلم هو أن محمد رجاء حارب من أجله سنوات طويلة، حوالي 13 عامًا، وعملنا عليه وبذلنا فيه مجهودًا كبيرًا حتى اللحظة الأخيرة منذ شهرين.

وما فاجأني حقيقة في ردود الأفعال؛ هو أنني كنت شبه يائس من أن تبحث الفئات ذات الأعمار الصغيرة عن شيء غير الترفيه، ولكن نجاح الفيلم جعلني أُعيد النظر في اختلاف الجمهور وذائقته، فلدينا من يبحث عن الترفيه ومن يبحث عن متعة النص القوي، أو مغامرة سينمائية تناقش وتحرك أفكاره، وهذا مدهش بالنسبة لي، وخالف توقعاتي عن تفضيلات الجمهور.

والحقيقة أنه بمتابعة الإيرادات في الوطن العربي ومصر مؤخرًا، اكتشفنا أن هناك مشاهد مستعد للنزول من منزله لمشاهدة عمل مختلف.

هاني خليفة

اقرأ أيضًا:  منى زكي.. أصبت بـ”التوحد والتعاطف” عندما قرأت “رحلة 404

الفيلم به مشاهد قوية أبرزها مثلًا الذي جمع محمد فراج مع منى زكي في الفيلا، ومن الواضح أنه مشهد ضاغط على الممثلين أنفسهم، هل تجد في هذه المشاهد صعوبة؟ وكيف تساعد الفنان على التعامل مع هذه المشاهد الصعبة؟ 

كلنا نشترك في هذا، فأولًا كل طاقم العمل مواهب كبيرة جدًا، بدايةً من منى ومحمد فراج وتايسون (محمد ممدوح) وخالد الصاوي ومحمد علاء وشيرين رضا وحسن العدل وعارفة عبد الرسول وسماء إبراهيم… كلهم فرقة قوية جدًا، وكل واحد منهم يستطيع حمل مسؤولية جزء من بطولة الفيلم وحده، وأنا أشترك معهم كمخرج، وأقود الأوركسترا لخلق التناغم بينهم، وجميعنا نجتهد؛ فهذا ليس مجهودًا فرديًا من شخص واحد فقط، وعندما يؤدي فرد دوره بشكل جيد، يساعد شركاء العمل على القيام بأدوارهم على أكمل وجه، وجميعنا نسعى لأن نكون أفضل.

رحلة 404

هل عوضك النجاح الجماهيري للفيلم عن غياب مشاركته في المهرجانات؟
طبعًا؛ فالمُشاهد الغربي لن يفهم الفيلم جيدًا، خاصة أن رمزية رحلة الحج يصعب ترجمتها، لأنه لا مقابل لها في الثقافة الغربية، والفيلم يتعلق بنا نحن وبثقافتنا بشكل أكبر.

 وبالنسبة لي، أتصور أنني لا أقايض على النجاح الجماهيري بأي شيء، بالتأكيد المهرجانات إضافة مهمة وعمل عظيم، ولكن بالنسبة لي القدرة على التواصل مع مجتمعك والتحدث معه وتقديم رسالتك وتوصيلها بنجاح، هذا شيء مُبهر.

هل بدأت الإعداد لعملك القادم؟
حتى الآن لا توجد أعمال محددة، ولكن نجاح «رحلة 404» زاد من حماستي، وربما يدفعني لتعديل وتغيير خططي المستقبلية وتوجيه تفكيري لشيءٍ آخر، فلدي بالفعل مشاريع لها علاقة بالأفلام ولكن كنت أشعر أن هذا ليس وقتها، فغالبًا ما أولي عناية أكبر بالمسلسلات وأنا سعيد بها بالطبع، لأنها كانت تمنحني سعادة بفكرة الوصول للمشاهد في بيته، ولكن اكتشفت أنه عندما يأتي المشاهد إليك يولد لديك شعور مختلف تمامًا.

هاني خليفة

لكن هل تعوضك الدراما الغياب عن السينما؟ وهل هي مُتعبة بالنسبة لك؟
كل شيء له مميزاته وعيوبه، وللدراما مميزات مختلفة أبرزها الميزانية الأكبر، بجانب تفردها بأشياء قد نستمتع بها أكثر من السينما، خاصة المسلسلات القصيرة، فهي تجربة جيدة للغاية، وأشعر أنها تقريبًا تُشابه التجارب السينمائية ولا تختلف عنها كثيرًا.

بالنسبة لي عندما أقدم مسلسلًا أحرص على أن أقوم بعمل شيء أحبه ومؤثر، وأيضًا أضيف في هذا الزمان متعة مشاهدة جديدة وهي الاستمتاع بمشاهدة حلقات دراما متواصلة لمدة قد تتخطى الـ 4 ساعات، ولها مصطلحات جديدة، وأنا كمشاهد أستمتع بالمسلسلات القصيرة.

 لكن السينما شيء آخر، لأنها تجعلك تدخل في رحلة أو تجربة اجتماعية مع ناس لا تعرفهم في غرفة مظلمة، وهذا له سحر خاص.

شارك هذا المنشور