أطلقت «الموسوعة السعودية للسينما» مجموعة جديدة من الإصدارات تزامنًا مع انعقاد الدورة الحادية عشرة من مهرجان أفلام السعودية (في الفترة مابين 17 إلى 23 أبريل الماضي). ومن خلال هذه الكتب، كما في الكتب السابقة التي نُشرت خلال الدورات الماضية، نلاحظ وجود تكرار في تناول بعض الأفلام — سواء السعودية أو غير السعودية — لكن بمستويات متنوعة من الكتابة والتأويل.
وهذه ظاهرة صحية؛ لأن كل كاتب يعبّر عن فهمه الخاص، حتى وإن بدا أنه يسيء الفهم أحيانًا. والإختلاف مشروع. وينطبق الأمر ذاته على مُراجعات الكتب، فلا يوجد فهم «صحيح» أو فهم «خاطئ» في فعل الكتابة؛ بكل أنواعها، بل يجب على كل كاتب أن يقول تمامًا مايفهمه. وفي المحصلة النهائية، سينتفع الجميع من إثراء الفضاء المعرفي. وذلك تحقيقًا لما هو متواتر في الأثر: أنَّ «كل إناءٍ يضيق بما يوضع فيه، إلا وعاء العلم، فإنه يتسع.»
ربما، ما تحتاجه الكُتب التي تتناول السينما والأفلام تسليط الضوء عليها، والتذكير بها، حتى تصبح متداولة بشكل أكبر وتزداد الرغبة بالاطلاع عليها والانتفاع منها. وفي هذا السياق، سأتناول بعض الكتب التي صدرت ضمن الدورة الأخيرة من المهرجان.
1. أليخاندرو إيناريتو (وشعرية الصدفة)
المؤلف: أمين صالح
النوع: سيرة ذاتية
التقييم: 4 من 5
أتصور أنَّ هذا أول كتاب عربي يتناول سيرة حياة أحد أهم ركائز السينما المكسيكية والعالمية من المعاصرين، المخرج أليخاندرو غونزاليس إيناريتو. ويأتي بعد سلسلة من الكتب التي نشرها أمين صالح عن المخرجين البارزين أمثال: انجمار بيرجمان، وميكائيل هانيكه، وجان لوك غودار، وتساي مينغ ليانغ، وعباس كيارستمي، و ثيو أنجيلوبولوس، وغيرهم الكثير. لذلك، فإن كتابة السيّر الذاتية ليست فنًا جديدًا على أمين صالح.
ينقسم كتاب «أليخاندرو إينارتو» إلى قسمين. في القسم الأول نقرأ عن النشأة والتكوين والظروف الحياتية والاجتماعية التي قادت إينارتو ليصبح مخرجًا. وفي القسم الثاني نقرأ عن الأفلام، ونتعرف على العناصر الإبداعية ومصادر الإلهام التي ساعدت على تقديم أفلامًا ذات تراكيب معقدة وهيكلة غير تقليدية مع تحقيق النجاحات النقدية والتجارية مثل (أموريس بيروس، و21 غرامًا، وبابل، وغيرها). وبين صفحات الكتاب يكشف أمين صالح أسرار تميز إيناريتو عبر ربط أفلامه بحياته الشخصية والتحديات التي عاشها والأفلام التي شاهدها حتى وصلَ إلى المستوى الإبداعي الذي قدمه.
يعتمد أمين صالح على توظيف الترجمة السلسة والبديعة لأحاديث المخرج في اللقاءات المرئية والمسموعة والمقروءة، مع ترجمة منشورات لآخرين تتعلق بالمخرج وأفلامه، ويضعها داخل سياقات منظمة تُشعركَ بحضور إيناريتو بنفسه وكأنه يكتب عن نفسه بنفسه. و هذا الأسلوب أعطى للكتاب شيئًا من المصداقية، لكنه أدى أيضًا إلى تلاشي أمين صالح -المحب والعاشق والعارف بالسينما- داخل الترجمة، ليختفي صوت أمين الناقد، صاحب الرؤية الفريدة. ومع ذلك فإن الترجمة التي يكتبها أمين صالح لا يشبهه فيها أحد.
كتاب مهم وفريد ومرجع ضروري لكل المهتمين بالسينما عن واحد من أهم صنَّاع الأفلام المعاصرين.
2. السينما السعودية (وفيلموجرافيا الأفلام السعودية في صالات السينما حتى 2023)
المؤلف: محمد البشير
النوع: دراسة بحثية / فيلموجرافيا
التقييم: 4 من 5
يتميز الكاتب محمد البشير بأنه قريب جدًا من الحقل السينمائي (ويعرف الكثير). في هذا البحث المتوسط الحجم الكبير الأثر، يركز بشكل رئيسي على أهم الجوانب والسمات والدلائل التي ساعدت على تطور الأفلام في المملكة العربية السعودية عن طريق تحليل آراء صنّاع الأفلام الأوائل واللاحقين، وقراءة ردود أفعال الجمهور، وإحصائيات شباك التذاكر، مع شرح طُرق الانتشار والتوسع ليس على النطاق المحلي فقط بل على مستوى يتجاوز بالنفع حدود الدولة القُطرية، وكل ذلك يأتي مشمولًا بالدعم التشريعي والتنظيم القانوني.
يبدأ الكتاب من فكرة «أحلامنا» بوجود حلم السينما السعودية، ومن منطلق إمكانية تتحقق الأحلام يُدون الكتاب مرحلة ما قبل افتتاح صالات السينما ليعرض في هذا الفصل التجارب الأولى على مستوى الإنتاج والعرض والتوزيع بشكل مختصر. ثم ينتقل إلى مرحلة زمنية ثانية ليدون فيها كل تفاصيل بدايات ظهور صالات السينما، ويشمل ذلك التراخيص والمنح والأفلام نفسها وبعض المواضيع الجانبية، بداية من فيلم «رولم» عام 2019 ووصولًا إلى فكرة إحياء النقد السينمائي، ليختتم كل ذلك بأسلوب سلس وشيق، وبكفاءة بحثية عالية وأمانة علمية انعكست على جودة الكتاب.
يكرر الكاتب المراهنة على النجاحات القادمة، وينهي دراسته بنظرة مليئة بالتفاؤل، ويقول: «… فالفيلم المحلي ينعكس أثرُه لا على الصناعة فحسب! بل على صالات السينما وضمان استقرارها، والمجتمع بوجود أفلام من بيئتهم، وبأيديهم، وعلى أعينهم، وهذا ما انعكس إيجابًا بإقبال الجماهير مع مضي السينما في رحلتها، وانتشار فروعها في السعودية». ص163.
يعترف الكِتَاب بكل التجارب دون تمييز أو إغفال عن الأفلام التي لم تحقق نجاحًا نقديًا و جماهيريًا و التي لم تعرض في صالات السينما. ويؤكد الكِتَاب على أن أي تجربة سينمائية سعودية تستحق الإشادة والتقدير لأن صناعة السينما عملية بنائية تراكمية؛ فيجب محاولة كشف وفهم كل الجوانب الإيجابية داخل نشاط السينما على الصعيدين الإنتاجي والتنظيري.
حتى وإن بدت الإيجابية المفرطة التي يستخدمها البشير في كتابه تحمل داخلها بشكل ضمنيّ نوعًا من أنواع الرفض، وعدم قبول وجود سينما سعودية. ومع ذلك يعد الكِتَاب مرجعًا فريدًا لجميع المهتمين بتاريخ السينما في المملكة العربية السعودية. ووثيقة تاريخية مهمة.
3. ضوءٌ شديدُ العتمة (مراجعات سينمائية)
المؤلف: طامي السميري
النوع: مراجعات أفلام / فن الرسالة
التقييم: 4 من 5
على خلاف الأسلوب التقليدي في الكتابة عن الأفلام والسينما؛ يحذرنا الأستاذ خالد ربيع السيّد في المقدمة بأن الكاتب لن يتطرق للتفاصيل التنفيذية والأساليب الإخراجية والمدارس الفنية في الأفلام والمواضيع المطروحة، وكأن المقدمة تهيئ القارئ لمفاجأة ما في انتظاره، وحتمًا في الكتاب مفاجأة ثقيلة وبالتحديد في آخر نصين.
يمكن تقسيم الكتاب إلى ثلاثة فصول، فيعرض الفصل الأول مجموعة من مراجعات الأفلام الوصفية التي تعيد سرد قصص الأفلام دون الانغماس في التحليل، بمجموع 12 مراجعة متنوعة على مستوى الأفلام و لغاتها المحكية ودول صناعتها وتواريخ صدورها. وتعكس هذه المجموعة من الأفلام والنصوص ذائقة المؤلف، وارتباطه الذهني والوجداني مع الأفلام وأبطالها. ففي الجزء ما قبل الأخير – ويمكن وصفه بالفصل الثاني- تتحول شخصيات الأفلام إلى كائنات حية يراسلها المؤلف، فيواسيهم تارةً ويجادلهم تارةً أخرى. ويأتي هذا النص كمقدمة -لما يمكن أن يكون فصلًا ثالثًا- تتحول فيه السينما إلى موضوع مرتبط بالفنون الأدبية البحتة، وبالخصوص فن الرسائل.
إنَ الفصل الثالث بعنوان: «الرسائل.. العبق السينمائي الذي سيغيب» ص147 من أمتع ما قرأت مؤخرًا. وفيه يعبر الكاتب عن حنينه – العميق- إلى زمن الرسائل، وأساليبها، هذا العبق الذي أفسده التحول الرقمي الشامل. فيبدأ أولًا بتفضيله للرسائل المكتوبة يدويًا على الورق، لأنها تتجاوز بقيمتها المادية المحسوسة في الحبر والورق إلى خصوصية الرائحة الزكية التي تفوح منها. أما في الزمن الإلكتروني فقدت الرسائل هذه المكونات وأصبحت بلا خصوصية ولا هوية ولا مصداقية ولا رائحة. لذا قرر المؤلف العودة السينما، والبحث في الأفلام عن المشاهد التي عرضت الرسائل وكل مايتعلق بها من انتقالات زمانية ومكانية. ثم يعرض مجموعة من الأفلام المتنوعة، العربية وغير العربية، التي أحيت فن الرسائل عبر الوسيط الفيلمي. وبالمجمل فإن البحث الذي قدمه المؤلف عن الرسائل ينظر إلى السينما بالكثير من الإعجاب وبالتحديد في قدرتها على ملء الفراغ النفسي وحالة النستولوجيا بالعودة إلى الزمن الجميل والهروب من سيطرة التقنيات الرقمية على كل جوانب وتفاصيل الحياة.
كتاب ممتع ومختلف، ومنبعه حب السينما والأدب والفنون. ويتميز بقدرته على أنسنة شخصيات الأفلام، وإعطائهم صبغة واقعية تنعش وتجدد العلاقة بين السينما والجمهور.
4. الطريق إلى الضوء (مبادئ التصوير السينمائي).
المؤلف: بلال البدر
النوع: محتوى تعليمي / التصوير السينمائي
التقييم: 4 من 5
في المقدمة يعرِّف الكاتب بنفسه عن طريق ارتباطه بالكاميرا ممارسةً ودراسةً. ويقول عن وصف محتوى الكتاب بأنه كان يود ويتمنى أن يعرف الأمور التي يعرضها في الكتاب قبل ممارسته فن التصوير. ويشارك القراء المعرفة التي اكتسبها أثناء دراسته للتصوير السينمائي من الفكرة التي تقول: «لا تعطيني سمكة، بل علمني كيف اصطاد». وبذلك يعطي المعرفة صفة الديمومة، والانتقال من شخص إلى آخر، وهذا أجمل العلم.
في الفصل الأول يتحدث المؤلف عن بعض ذكرياته مع أستاذه فيليب الذي يلهم طلابه بالعودة إلى الطبيعة لكشف أسرار الفنون، وبالتحديد فن الإضاءة. ثم يشرح بعض المفاهيم والمصطلحات المرتبطة بالإضاءة والتصوير. مع توثيق التحولات التي مرت فيها الفنون البصرية عبر عرض نماذج مرئية والكتابة عنها وشرحها بأسلوب موجز ومباشر حتى يسهل الاستفادة منها. وفي الفصل الثالث ينتقل إلى الكاميرا، نشأتها وتطورها حتى الوصول إلى الآلة الرقمية. ثم في باقي الفصول يقدم توصيات ونصائح مدعومة بشرح لأهم النظريات المتعلقة بفن التصوير، مع نماذج بصرية للشرح، وأمثلة من الأفلام، ومصطلحات بلغتها الأم مع تراجم عربية.
كتاب مهم جدًا وذا قيمة معرفية وتعليمية، ولكن يعاب على الكتاب عدم استخدام المراجع، وأن يكون الكتاب بهذه الوفرة المعرفية والطاقة التعليمية لكن دون استخدام مراجع تثري القارئ وتزيده علمًا وبحثًا يقلل من الجودة الكلية للكتاب. ومع ذلك يشكر المؤلف على جهده وعطائه.
كتاب يوصى به لكل من يعمل في مجال صناعة الأفلام، فيجب على الجميع تعلم لو القليل عن الصور، والإضاءة، والتكوين.
5. السينما الجديدة (تأملات في موت السينما بعد سيطرة الثورة الرقمية) – الطبعة الثانية.
المؤلف: حسن الحجيلي
النوع: دراسة بحثية / مراجعات أفلام
التقييم: 3 من 5
يناقش الكتاب فكرة «موت السينما» منذ نشأتها مرورًا بدخول الصوت، وظهور التلفاز، وصولًا إلى مرحلة السينما الجديدة الرقمية، التي أثرت على الكينونة. كان سابقًا من السهل التمييز بين الفيلم السينمائي وكل المحتويات الأخرى عند مشاهدة قنوات التلفاز، أما اليوم فقد تخلت السينما عن خصوصيتها الشكلية واندمجت مع باقي المحتويات الرقمية صناعةً وانتاجًا وتوزيعًا، حتى بات من الصعب التفريق بين الفيلم السينمائي والمسلسلات والعروض الوثائقية والإعلانية والفيديوهات الشخصية. وربما تلاشت السينما بسبب مواقع البث المباشر مثل نتفليكس وغيرها، ولم يعد للأفلام هالة مثل السابق. كل ذلك يقودنا لنسأل: هل لا زالت صناعة الأفلام السينمائية مهمة؟
كانت الطبعة الأولى من الكتاب عام 2017م، وهذه الطبعة الثانية، وقلت كل ما أرغب قوله في نص بعنوان: «وقفات تمهيدية مع الطبعة الثانية» ص13.
6. عيون محدقة باتساع.
المؤلف: طارق الخواجي
النوع: تصنيف الأفلام / مراجعات الأفلام
التقييم: 4 من 5
يعتمد الكتاب على مسألة تصنيف الأفلام داخل مفاهيم ومصطلحات فلسفية واجتماعية وسياسية ونفسية. وأغلب التصنيفات ليست من صُنع الفنانين بل من اختراع النقاد. والتصنيف حجز وتقييد للأفلام. في كل فصل من الكتاب؛ يحدد الكاتب بعض المفاهيم، ثم يقدم نماذجًا من السينما على هذه المفاهيم والتصنيفات. ويكتب عن الأفلام مراجعات بأسلوب وصفيّ وأحيانًا تحليليّ. وكل ذلك يؤكد على القابلية التأويلية التي تتمتع بها الأفلام السينمائية.
في التوطئة يحيل الكاتب إلى أحد المراجع التي استنبط منها معنى «الثيمة»، إلا إن مفهوم «الثيمة» في الأفلام السينمائية تحديدًا مرتبط بما يعرف بمسمى المحفزات motifs ، وهي أنواع كثيرة منها: المحفزات البصرية والسمعية والقصصية والتقنية، وتعمل هذه المحفزات عمل البنيان المرصوص الذي يقود إلى تحقيق الثيمة سينمائيًا. ولكن ينحصر تركيز الكتاب على المحفزات القصصية فقط، وبذلك تخرج التصنيفات من نطاق الثيمة بمعناها السينمائي إلى المفاهيم والأفكار. فمثلًا يتناول الكتاب فيلم «حصان تورين» بوصفه نموذجًا على «الوجودية» ص66، بالتركيز على الجوانب القصصية للفيلم دون شرح للمحفزات السمعية والبصرية والفيلمية، وهكذا يسير في كل مراجعات الأفلام..
هنالك مسألة أخرى تتعلق باستخدام المصطلحات الدقيقة مثل الوجودية والعدمية والاغتراب. لانقرأ شرح هذه المصطلحات بطريقة مباشرة ودقيقة، بل تأتي بصيغ أفكار مفاهيمية مربوطة بمراجعات الأفلام الغزيرة و المكثفة. فمثلًا يقدم الكتاب عددًا من الأفلام أحدها فيلم «أن تكون هناك» ص90 بوصفه نموذجًا على «الاغتراب» ص86. إلَّا إن الاغتراب بمعناه الاصطلاحي مرتبط بفلسفة هيجل وفلسفة ماركس. الاغتراب هو حالة تعرف بأنها انفصال الذات عن ذاتها، وهي غربة النفس. فبالنسبة لهيجل سبب هذه الحالة عدم التوافق بين أفكار الإنسان وحياته الواقعية، لذلك يستخدم جدليته التي تقود للوعي المطلق وفيها يتوحد الفكر مع ممارسة الحياة الواقعية. وبالمقابل؛ كان ماركس معجبًا بمنهج هيجل في اختبار الأفكار وارتباطها بالواقع إلا إن الاغتراب بالنسبة له يعود إلى البيئة، والحياة الاجتماعية، التي تجعلنا ننفصل عن ذواتنا وما إلى ذلك من شروحات تنصب نحو معنى واحد وهو انفصال الذات عن ذاتها مع ضرورة الرجوع بالمصطلح إلى هيجل أو ماركس… وهل يتطابق مصطلح الاغتراب مع الحالة التي يعرضها فيلم «أن تكون هناك»؟
وبكل الأحوال، يحق للمؤلف أن يصنف فيلم «أن تكون هناك» بوصفه فيلمًا يندرج تحت فكرة الاغتراب بناءً على فهمه الخاص، وليس بناءً على المصطلح.. ولا يوجد صواب أو خطأ في الكتابة عن الأفلام. وعمومًا، كُتبت مراجعات الأفلام بذائقة سينمائية عالية تدل على ثقافة واسعة يمتلكها المؤلف. والكتاب غزير بالأفلام (السعودية والعربية والعالمية)، وممتع في القراءة. جهدٌ وفير من المؤلف ويستحق الشكر.