فاصلة

حوارات

مهدي برصاوي: «عايشة» تبحث عن الحق في الحياة والحرية

Reading Time: 5 minutes

بينما يعود التونسيون إلى الشوارع للاحتجاج من جديد دفاعًا عن الحقوق والحريات التي قامت من أجلها ثورتهم في عام 2011، يحتفي العالم بفيلم «عايشة» Aicha ثاني الأفلام الروائية الطويلة للمخرج التونسي مهدي البرصاوي، والذي يدافع عن حق الشباب في الحياة والبحث عن الحرية ورفض السلطة الأبوية أو الأمنية، والذي عرض عالميًا للمرة الأولى في  الدورة الحادية والثمانين لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي ضمن مسابقة أوريزونتي.

واعتبر مهدي العرض في فينيسيا «شرفًا كبيرًا لأنه نافذة مهمة على العالم»، مضيفًا أن الأهم بالنسبة له أن «يمس الفيلم المشاهدين ويدفعهم لطرح التساؤلات»، معربًا عن سعادته بردود الأفعال التي تلقاها من جمهور عالمي ينتمي لثقافات ومجتمعات مختلفة، وأنه في انتظار عرض الفيلم في الدول العربية وخاصة في تونس، ويتمنى أن يؤثر في الناس.

«عايشة» - 2024
«عايشة» – 2024

في نهاية عام 2019، انقلبت حافلة سياحية في منطقة جبلية بالشمال الغربي التونسي، ووصل عدد ضحايا الحادث إلى 26 شخص إضافة إلى عديد من المصابين وكان أغلبهم شباب تتراوح أعمارهم بين الـ 20 والـ 30 عامًا، ويشير مهدي إلى أن هذا الحادث ارتبط بواقعة شهيرة أثارت ضجة كبيرة في تونس آنذاك، حيث قررت فتاة شابة استغلال الحادث لاختبار حب والديها لها، وطلبت من صديقتها إخبارهما بأنها ماتت!

ويضيف «لم أتوقع وقتها أن تكون هذه فكرة فيلمي الثاني، ولكن بعد عدة أشهر حملت زوجتي في ابنتنا، وبشكل أتوماتيكي تخيلت لو أن ابنتي فعلت الشيء نفسه معي كيف سيكون موقفي، ومن هنا بدأت الفكرة تتطور ودفعتني للتساؤل، لماذا في وطننا العربي يجب أن يموت الإنسان حتى يشعر بالحرية والتقدير؟ إذا مات أحدهم يصبح مقدسًا بسبب ما يعرف بحرمة الميت، والقاعدة التي تقول إنه لا يجب أن نتحدث عن الميت بالسوء».

«عايشة» - 2024
«عايشة» – 2024

الحياة عبر الموت، هي الفكرة الأولى التي دفعت مهدي للعمل على الفيلم، والذي يصر على تسميته بـ «عايشة» بالعامية وليس الاسم العربي «عائشة»، لأنه فيلم عن الحياة و«عايشة» معناها أنها حية، ويقول إن الفيلم محاولة لفهم ما يحدث في مجتمعاتنا العربية وفي تونس بشكل خاص، فـ «الضغط الواقع على الشباب والنساء تحديدًا في مجتمعاتنا العربية كبير جدًا، نحن لا نعيش وإنما على قيد الحياة فقط، الفيلم يحكي عن مواضيع مختلفة، عن أزمة الهوية ومعناها، عن الحياة بمعناها الشامل، أن تكون حيًا لا يعني دخول النفس وخروجه فقط، وإنما الإحساس بالحياة والاستمتاع بها، أن تمتلك قرارك لتصنع ما تحب، في إطار احترام الحريات الشخصية للآخرين».

ويضيف مهدي «لا أفهم لماذا نشعر في مجتمعاتنا العربية أنه ليس لنا الحق في حياة جميلة وجيدة، ولا أقصد هنا سوى الأشياء البسيطة مثل الشوارع النظيفة والأرصفة، الفيلم يحكى عن كل هذه الأِشياء، النفس لا يعنى أننا نعيش حقا، نريد أن نعيش، لهذا السبب تحديدا ثارت مجتمعاتنا في 2011، ولا نعرف الآن ما الذي تبقى من الثورات، ولكن ما يظهر لي هو أن الناس لا يزال لديهم الرغبة في حياة أفضل وهذا لم يتحقق بعد».

«عايشة» - 2024
«عايشة» – 2024

الفيلم يطرح العديد من القضايا، لكنها تسير في اتجاه واحد وهو رحلة الشخصية الرئيسية (آية أو أميرة أو عايشة) التي تمر بالعديد من العقبات والمراحل خلال الرحلة، تؤثر فيها وتغير شخصيتها، وتجعلها تدرك المعنى الحقيقي للحياة والحرية. يشير مهدي إلى أنها في البداية شخصية مسكينة تقع تحت ضغط كبير وتتحكم فيها السلطة العائلية، ولا تستطع اتخاذ قراراتها بنفسها، تتخيل أن الحياة في تونس العاصمة هي حياة الحرية التي تحلم بها، بلا قيود أو التزامات، لكنها تتعرض للقهر وتصطدم بضغط أخر وسلطة أكبر متمثلة في جهاز الشرطة، الذي يعد في عالمنا العربي المؤسسة الأمنية صاحبة اليد العليا، ويمارس السلطة الأبوية والعائلية أيضا على الشعب، وعليها أن تجد طريقها للحياة والتحرر من الذنب وامتلاك ارادتها.

النجاح الذي حققه الفيلم الروائي الطويل الأول لمهدي «بيك نعيش» في عام 2019، وضعه أمام تحدي كبير في فيلمه الثاني «عايشة» لأنه تجربة مختلفة، يتمنى لها أن تحظى بالقدر نفسه من التأثير والنجاح.

يوضح مهدي أن العمل على «عايشة» استغرق نحو ثلاث سنوات ونصف، وأن الصعوبة الأكبر كانت في مرحلة الكتابة نفسها، لأن «السيناريو يمر بمراحل عديدة ويطرح قضايا متعددة، لا بد أن يشعر المتلقي أنها مقبولة وأصيلة دراميًا وليست مقحمة أو مفروضة على رحلة البطلة». وكانت المشكلة الثانية في المونتاج الذي يعتبره مهدي الكتابة الأخيرة للفيلم ومن خلاله تصل رؤية المخرج والصوت النهائي للفيلم، لذلك حرص على العمل عليه فترة معقولة مع المونتيرة كاميل توبكيس «دون أدنى استعجال».

«عايشة» - 2024
«عايشة» – 2024

منذ عام 2011 طرأت العديد من التغييرات على العالم العربي، ويرى مهدي أن أفلام صناع السينما العرب أصبحت تحكي أكثر عن القضايا الاجتماعية، في محاولة لفهم مجتمعاتهم ومناقشة القضايا حتى تساعدنا على فهم بعضنا وطرح التساؤلات والبحث عن طرق لتحسين العلاقة بين الشعب والسياسة والسياسيين، ويقول «أنا من مواليد عام 1984، وعندما كان عمري 3 سنوات في عام 1987 جاء بن على بعد بورقيبة، وعشت حياتي كلها تحت نظام بن علي، وكنت بعيد تمامًا عن السياسة ولم يكن لدي ثقافة سياسية، ولكن في 2011 شعرت أني امتلكت جمهوريتي من جديد، وأصبحنا ننظر إلى المستقبل بإيجابية. صحيح أن هذه الحالة الإيجابية لم تعد موجودة مع الأسف، ولكن لا بد أن نحافظ على تفاؤلنا بالمستقبل، لا أعرف إذا كانت السينما قادرة على التغيير أم لا، ولكن رأيي أن الأفلام حتى لو لم تغير؛ فهي تساهم في التغيير، وهذا في حد ذاته شيء مهم جدا».

«عايشة» - 2024
«عايشة» – 2024

جسدت الفنانة فاطمة صفر شخصية (آية أو أميرة أو عايشة)، وتقول عنها إنها شخصية مختلفة تمامًا عن كل ما قدمته من قبل سواء في التليفزيون أو في فيلمها الطويل الأول. فالشخصية تمر بمراحل مختلفة تغيرها وكأنها في كل مرة تولد من جديد. وتحمل الشخصية كثير من المشاعر والحوارات الداخلية التي كان عليها اكتشافها خطوة خطوة أثناء العمل على الفيلم وخلال فترة التحضيرات، من فتاة من مجتمع محافظ في مدينة توزر جنوب تونس إلى عاملة بفندق ترى فيه عالم منفتح وأناس من جنسيات مختلفة، وتتمنى أن تحظى بفرصة لتعيش هذا العالم، وتنتهز الفرصة عندما تجدها وتنطلق إلى تونس العاصمة لكنها تصطدم بواقع تجهله».

وتشير فاطمة إلى أن البحث عن الحرية ضرورة في الحياة، فالحرية ليست شيئا ملموسا نحصل عليه، علينا أن نمر بالتجارب حتى نجد ما نريده منها، فرحلة البحث عن الحرية تفتح أفاقًا أخرى وحتى لو كانت النتائج سيئة أو إيجابية، البحث نفسه أفضل من الثبات في المكان وعدم اختبار أي شيء في الحياة والاستسلام لإيقاع رتيب.

«عايشة» - 2024
«عايشة» – 2024

يجسد نضال سعدي شخصية (فارس) رجل شرطة يمارس الضغط على آية، لكنه يغير مسار الأحداث في النهاية. يقول نضال عن شخصية فارس إنه اعتبر قضية عايشة فرصة للانتقام لثأر أخيه الضائع منذ سنوات، وتعويض عقدة الذنب التي تملكته منذ أن أصبح جزءًا من نظام فاسد ظالم، يساند مجرمين في الفرار بجريمتهم ويسمح بتكرارها، لذلك يحاول فارس الضغط على آية لتعترف بالحقيقة، مضيفًا «أصعب ما في شخصية فارس أن المتفرج لا يعرف بشكل قاطع في أغلب الأحداث إذا ما كان فارس يرغب في مساعدة آية أم توريطها في فخ، لذلك اعتمد الأداء بشكل كبير على نظرات العين والتصرفات».

ويرى نضال أن قضية فارس وآية موجودة في العالم كله وليس في الوطن العربي، فتيات مقهورات من السلطة الأبوية ويحلمن بتغيير حياتهن، وشباب لا يرضى عن واقعه، مؤكدا أن حتى ممارسة الشرطة للسلطة الأبوية على أفراد الشعب، أثبتت السنوات الأخيرة أنها لا تقتصر على البلدان العربية فقط وإنما تمارسها الشرطة في أنحاء العالم، وشهد العقد الأخير العديد من الوقائع التي تشير إلى ذلك.

«عايشة» بطولة فاطمة صفر ونضال سعدي وياسمين ديماسي وهالة عايد وسيناريو وإخراج مهدي برصاوي، وإنتاج مشترك من تونس وفرنسا وإيطاليا، والسعودية وقطر ومن المتوقع عرضه في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، لحصوله على جوائز دعم إنتاج من المهرجان.

اقرأ أيضا: «عايشة»… آية في بلاد العجائب

شارك هذا المنشور