فيلم «مكان هادئ: اليوم الأول A Quiet Place: Day One» هو أحدث إضافات سلسلة أفلام الرعب التي بدأت في 2018 من إخراج الممثل جون كرازينسكي، الذي أخرج جزئين من الفيلم، ويكتفي في الإصدار الثالث بالمشاركة في الإنتاج والكتابة رفقة برايان وودز ومايكل سارنوسكي الذي قام بإخراج الفيلم.
في مقابلة أجراها كرازينسكي مع إطلاق الفيلم الأول، قال إن إحدى الثيمات التي ألهمته كتابة أول سيناريو، كانت القلق المصاحب لتربية الأطفال، وكيف أن حماية الأطفال من المخاطر مهما كانت طبيعتها وشكلها، هي هاجس كل أب وأم. في الفيلم الثالث من السلسلة، أعتقد أن الإلهام ابتعد عن القلق المصاحب لتربية الأطفال واتجه إلى إيجاد هدف ومعنى في عالم متهالك.
هنا، بطلة الفيلم «لوبيتا نيونغو» تعاني من مرض عضال وتعيش آخر أيامها في مصحة رعاية تلطيفية، وتتحول رحلتها الميدانية في قلب مدينة نيويورك إلى جحيم حقيقي. إن سلسلة أفلام «مكان هادئ» تواجه مشكلة حقيقية في فكرتها الأساسية، فكرة الكائنات الفضائية التي تمتلك حاسة سمع خارقة تبدو فكرة هزلية وغير قابلة للتصديق إذا فكرنا قليلًا بمقدار الضجة الذي نحدثه في حياتنا اليومية للقيام بأبسط المهام، ولكن بمجرد تقبل هزلية هذه الفكرة، فإن الأفلام تحاول إيصال مغزى ومعنى أعمق من ذلك.
يبدأ الفيلم بطريقة ذكية، في الفيلمين السابقين نحن أمام شخصيات تحاول النجاة من خطر محدق بأي شكل من الأشكال، لكن هذا الفيلم يفتتح بتقديمنا لشخصية كل ثانية من حياتها قد تكون الأخيرة؛ تحتاج لكم هائل من مسكنات الألم وأولوياتها تكمن في الحصول على قطعة بيتزا نيويوركية شهية ومجالسة قطها اللطيف «فرودو». يهجر الفيلم أفكاره الأساسية في الفيلمين السابقين ويضعنا أمام فكرة جديدة كليًا؛ في مواجهة الموت المحتوم، كيف يمكننا المواصلة؟ كيف يمكن إيجاد هدف من الاستمرار؟
الفكرة التي يتبناها الفيلم هي إيجاد المعنى، الذي تبحث عنه شخصية عدمية تشاهد العالم ينهار كليًا أمامها وعليها أن تجد في ذلك المعنى مبررًا للاستمرار ومحاولة النجاة.
أداء لوبيتا نيونغو يشكل أقوى نقاط الفيلم، هناك تحول مهيب في تقبل الموت البطيء القادم من سبب معلوم ومفهوم، والهلع الكامن في مواجهة موت حتمي سريع قادم من مصدر مجهول وغير مفهوم.
تسلسل الأحداث في الفيلم ما قبل حصول الكارثة ساهم في تعزيز شخصيتي سميرة (نيونغو) وممرض المصحة روبن (أليكس وولف). نستشعر ارتباطًا حقيقيًا بين هذين الشخصين على الرغم من عدم اعتراف سميرة بأهمية روبن بالنسبة لها. بعد حصول الكارثة واصطدام حياتها بهذا الواقع الجديد والمُر، تتشبث به بكل ما يمكن لطاقتها الهزيلة السماح به. إن مثل هذه الأواصر الإنسانية هي ما يجعل من أفلام الرعب النفسي ونهاية العالم تتميز. لذلك كان من المحبط أن نشاهد الفيلم يتخلص من هذه العلاقة التي أسسها بشكل ناجح ويقدم شخصية عشوائية في منتصف الفيلم (جوزيف كوين) بدون أي ارتباط حقيقي ببطلة الفيلم وأي مبرر فعلي لإنشاء أي علاقة بينهما.
على الرغم من هذا القرار السردي السلبي، استمرت نيونغو في تأدية دورها بكل صدق حاملةً النبرة السوداوية للفيلم من خلال أدائها. مع اقتراب النهاية المحتومة، تكتسب هدوءًا وتصالحًا مع هذه النهاية وتجد المغزى الوحيد من استمرارها وهو الانغماس في حنين ذكريات الطفولة مع والدها. تقرر «سميرة» أن ما يقف بينها وبين نهاية حياتها هو قطعة بيتزا نيويوركية تذكرها بوالدها ومعزوفات البيانو الساحرة التي كان يعزفها.
من ناحية تجريدية، إن فكرة إيجاد المعنى في ذكرى بعيدة عشناها كأطفال تبدو فكرة درامية مشجعة، لكن تقديم شخصية عشوائية في منتصف الرحلة بدون تبرير حقيقي وضعف الحوارات بين البطلين لم يعزز من جودة هذه الفكرة.
من ناحية أخرى، استطاع صناع الفيلم تصوير فظائع وأهوال هذه الكوارث في نطاق مدني حديث ومزدحم في تغيير منعش، عوضًا عن العوالم الريفية الخالية التي تم تصويرها في أول فيلمين. لكن ذلك إجمالًا لم يتمكن من إنقاذ عيوب النص الواضحة في فيلم أساسه يقاتل المنطق، ويطلب من المشاهدين درجة كبيرة من الصبر والتغاضي عن العيوب.
اقرأ أيضا: «لا تتوقع الكثير من نهاية العالم».. نموذجًا للحداثة والمفاهيمية في سينما رادو جود