فاصلة

حوارات

محمد بن عطية: بالطيران “وراء الجبل”… أعلن تمسكي بالأمل في المعجزة

Reading Time: 4 minutes

في عام 2016 تعرف جمهور السينما العالمية على المخرج التونسي محمد بن عطية لأول مرة، عندما قدم فيلمه الروائي الطويل الأول “نحبك هادي”، ليحصد به جائزتي مهرجان برلين السينمائي الدولي لأفضل فيلم طويل أول، والدب الفضي لأفضل ممثل لمجد مستورة. ثم عرض فيلمه الطويل الثاني “ولدي” في افتتاح أسبوعي المخرجين بمهرجان كان في 2018، فيما شهدت الدورة الـ80 لمهرجان فينسيا السينمائي الدولي العرض العالمي الأول لفيلمه الثالث “وراء الجبل” الذي يستكمل فيه استكشاف سلاسل العلاقات الأسرية التي أصبحت سمة في أفلامه، ووسيلته لرواية قصص وأحداث مختلفة تعبر عن أفكاره ومشاعره تجاه ما يدور في المجتمع التونسي.

محمد بن غطية

وراء الجبل” الحائز على دعم إنتاج من صندوق البحر الأحمر، نافس مؤخرًا على جوائز مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في دورته المقامة في مدينة جدة السعودية مطلع نوفمبر الماضي؛ وبحضور مخرجه بن عطية وبطله مجد مستورة والمنتجة التونسية درة بوشوشة، وهم الثلاثي الذي سبق وحصد جوائز برلين خلال تعاونهم الأول في فيلم “نحبك هادي”.

يروي “وراء الجبل” قصة “رفيق” الذي يعاني من ضغوط يفرضها عليه كل من حوله الذين يعتبرونه مجنونًا لاعتقاده أنه يستطيع الطيران، ويقوم بعد خروجه من السجن باصطحاب ابنه الصغير في رحلة إلى ما وراء الجبال مستمسكًا بالأمل الذي تبقى له لتحقيق حلمه. يشارك في البطولة أيضا سامر بشارات والطفل وليد بوشيوة، وسلمى الزغيدي وحلمي الدريدي.

حلم يلح على الخيال

يقول بن عطية في حواره مع فاصلة أن فكرة الفيلم ارتبطت بصورة قديمة في خياله ظلت تلح عليه لسنوات وعاودت الإلحاح عليه بقوة عقب عرض فيلمه الثاني “ولدي”. يحكي بن عطية “إنها صورة أو حلم غامض بثائر أو رجل يحلق بعيدًا”، إلا أن هذه الصورة الخيالية لم تكن مرتبطة بفكرة محددة في البداية، و”لكن حالة الغليان العامة والاضطراب التي أصبحت تسيطر على تونس في الآونة الأخيرة دفعتني لاستخدام هذه الصور للتعبير عن تحرر الجسد”. 

يرى بن عطية أن الإنسان يريد التحرر من بدنه ومن فكره ويتحدى المجتمع والقوالب المفروضة عليه، وهذا ما تعبر عنه فكرة الطيران والرجل الذي يحلق، ويشير إلى أن العمل على تطوير الفكرة استغرق ما يقرب من أربع سنوات، وبدأ التصوير في العام الثالث من بداية العمل.

محمد بن عطية

الحلم يبحث عن التمويل

رحلة البحث عن ميزانية لإنتاج الفيلم كانت رحلة شاقة، حسبما يصفها بن عطية الذي يتذكر: “النسخة الأولى من سيناريو الفيلم كانت أكثر غموضًا وأكثر عنفًا من النسخة النهائية التي ظهرت على الشاشة، وأغلب من اطلعوا عليه لم يكونوا مهيئين لتقبل الفكرة ورفضوها، لذا تطلب الأمر فترة طويلة حتى تمكنت من الحصول على دعم لإنتاج الفيلم”، منوهًا إلى أنه فقد الأمل لبعض الوقت في امكانية انجاز الفيلم، ولم يعد للعمل عليه وكتابة السيناريو إلا في أثناء جائحة كورونا وعدل وقتها بعض المشاهد، وتمكن وقتها من جمع التمويل اللازم وبدء التصوير.

عنف كامن

العنف الذي يشير إليه بن عطية كأحد أسباب تعطل تمويل الفيلم، لا يزال كامنًا في أحداثه، فهناك طاقة عنف لا يمكن أن تخطئها عين المشاهد، مرتبطة بحالة الغضب التي يعيشها بطله “رفيق” وتنعكس أيضًا على الأسرة التي يدخل إلى حياتها ضمن أحداث الفيلم.

يوضح محمد بن عطية لـفاصلة أن سبب العنف “مرتبط بما أشعر به في المجتمع من كبت عام يولد هذا العنف، لا يحق لأحد التحدث عن المشاكل السياسية التي تؤثر على المجتمع وحياة الناس، المطلوب هو الصمت، كل شيء ممنوع، العديد من القيود مفروضة على رقبة المواطن وعليه تقبلها في صمت”. مضيفًا أن تحرر الجسد يسبقه نوعٌ من الانفجار، وهذا الانفجار من وجهة نظره “لا يحدث بلطف وهدوء.. بل يكون عنيفًا”، وهو ما يحدث مع رفيق بداية من المشهد الافتتاحي الذي يحطم فيه المكاتب.

ويضيف مخرج “وراء الجبل” أن طاقة العنف هذه يشعر بها يوميًّا في الحياة العامة، وفي كل مكان، حتى أثناء قيادة السيارة، وأنه كان يبحث عن طريقه للتعبير عنها، مؤكدًا أنه لا يعتبر الفيلم رسالة للتشجيع على العنف أو التسامح معه، وإنما “تقبُّل حقيقة وجوده وضرورة التعامل معه لأن تجاهله ليس حلا على الإطلاق”، ويتابع: “لا بد أن نقبل فكرة أن الإنسان يجمع بين العنف الداخلي والهدوء واللطف”.

أب وابن 

تلعب العلاقات الأسرية دورًا كبيرًا في الحكايات التي يرويها محمد بن عطية في أفلامه بداية من “نحبك هادي” و”ولدي” والآن في فيلم “وراء الجبل”. فالمحرك الرئيسي للأحداث هو علاقة الأب بابنه الصغير ومحاولاته للتقرب منه وإقناعه بقدرته على الطيران.

يقول بن عطية إن “الأمر ليس صدفة”، إلا أن علاقة الأب والأبن – سواء في “ولدي” أو “وراء الجبل”- لا تهمه بقدر ما يهمه استغلالها في توصيل الفكرة والتعبير عن البعد الذي تعيش فيه الشخصيات وما تمر به أو تتبناه من أفكار وأيديولوجيات، “والأهم هو فقدان الأمل في الأسرة”، فالعلاقة بين الأب والابن ليست أكثر من مبرر ليتناول أمور أخرى تهمه.

محمد بن عطية

ويضيف أن فكرة الأسرة تقدم في الأفلام على أنها الحل في نهاية المطاف، الحل حتى يجد الإنسان الراحة. ولكن من وجهة نظره؛ فهو لا يعني بتقديم إجابة جاهزة حول كون الاسرة حلًا أم لا، لكنه يعني بطرح التساؤل: “هل في العالم الذي نعيشه الآن لازالت الأسرة قادرة على حل المشكلات؟!”.

ويجيب: “أعتقد أن الأمور تطورت بشكل مختلف، أنا في تونس أو حتى خارجها أصبحت أشعر بوجود ضغط غير مفهوم لا أشعر به وحدي، فحتى مع وجود الأسرة والمال والعمل والمنزل وكل شيء يسير على ما يرام، يظل هذا الإحساس بالضغط حاضرًا وبقوة، وربما بدون أسباب مفهومة”.

الإنجاز والأمل

 يشير بن عطية إلى أن الطيران ربما هو الفكرة التي تدفعنا للشعور بأنه ربما يكون هناك أمل في الغد واختلاف عن اليوم، الإيمان بالمعجزة التي تمثل الخروج عن الإطار والقوالب المفروضة، الإيمان بقدرتنا على فعل أي شيء، القدرة على الاختلاف عن بعضنا البعض وتقبل بعضنا البعض وتقبل اختلافاتنا، القدرة على التفاؤل فيما نقرره بحياتنا، مضيفا “الإنجاز الذي سعى إليه رفيق هو القبول، والأمل في أن الغد من الممكن أن يكون مختلفًا. وربما يكون هذا المعنى في ابتسامة الابن في النهاية”.

اقرأ أيضا: في “وراء الجبل”محمد بن عطية “لم يحلّق” عاليًا

شارك هذا المنشور