فاصلة

مقالات

إبراهيم الحساوي.. أربعة عقود من الحضور في الفن السعودي

Reading Time: 4 minutes

خمس وأربعون سنة قضاها الفنان السعودي إبراهيم الحساوي في رحاب الفن منذ وقوفه لأول مرة على خشبة المسرح عام 1980. وبينما يمضي باقتدار نحو نصف قرن من الفن، أصبح مكانه محفوظًا بين رواد الفن السعودي الذي استطاع أن يثبت حضوره فيه مسحيًا وتلفزيونيًا واخيرًا سينمائيًا. 

تنقل الحساوي بين أدوار متنوعة شكلت تجربته الثرية. لم يكن طريقه خلال تلك التجربة مفروشًا بالورود، ولم يعتمد على الطرق السريعة للوصول إلى الجمهور، بل كانت رحلته قائمة على الاجتهاد المستمر والبحث عن مساحات فنية تتيح له التعبير عن نفسه بصدق. 

وخلال عقود من العمل، استطاع أن يكون جزءًا من التحولات التي شهدتها الدراما والسينما السعودية، مقدمًا أداءات تميزت بالعمق والبساطة في آنٍ واحد، ما جعله أحد أكثر الممثلين تأثيرًا في جيله.

الفنان السعودي إبراهيم الحساوي
مسلسل أيام الشتات (2003)

وُلِد إبراهيم الحساوي في الأحساء عام 1964، محاطًا بمجتمع تقليدي راسخ، إذ شكلت الأحساء بموروثها الثقافي والشعبي مدرسة مبكرة، هيأته عبر حكاياتها الشعبية والأهازيج والمجالس الأدبية ليصبح الفن والخيال خبزه اليومي. 

في تلك البيئة، بدأ وعيه الفني يتشكل، وظهرت بوادر اهتمامه بالمسرح والشعر، وهي عناصر ظلت حاضرة في رحلته لسنوات طويلة. وكانت الألعاب الشعبية التي شارك فيها طفلًا تحمل طابعًا مسرحيًا، حيث كان الأداء الجماعي والتفاعل مع الآخرين جزءًا أساسيًا من تلك الألعاب، وهو ما جعله يكتشف لاحقًا أن المسرح ليس بعيدًا عن تلك التجارب المبكرة.

في المدرسة، وجد الحساوي مساحة جديدة للتعبير عن موهبته، إذ انجذب إلى الإذاعة المدرسية، وكان مفتونًا بالصوت وتأثيره، ما دفعه للمشاركة في تقديم الفقرات وإلقاء القصائد أمام زملائه.

لم تكن تلك مجرد تجربة مدرسية عابرة، بل خطوة أولى نحو إدراكه لقوة الكلمة والأداء الصوتي، وهي مهارات استفاد منها لاحقًا في مسيرته.

مع انضمامه إلى نادي العدالة (نادي كروي واجتماعي سعودي)، بدأ يأخذ المسرح بجدية أكبر. لم يكن المسرح في ذلك الوقت مجرد نشاط ترفيهي؛ بل ساحة لصقل المهارات وتعلم أساسيات الأداء. لم يكتف بالتمثيل فقط، بل كان حاضرًا في الكواليس يشاهد كيف تُبنى العروض المسرحية، وكيف تُحضَّر المشاهد، ويتعلم من الممثلين الأكثر خبرة منه. هذا التفاعل المباشر مع المسرح جعله أكثر وعيًا بأهمية التفاصيل الصغيرة التي تصنع الفرق في الأداء المسرحي، كما ساعده في فهم ديناميكيات العمل الجماعي في الفن.

إبراهيم الحساوي
مسلسل ذي الحجة

لم يكن الانتقال إلى التلفزيون خطوة سهلة. فبعد سنوات من التعلق بالمسرح؛ وجد الفنان إبراهيم الحساوي نفسه أمام تحديات مختلفة تمامًا. كانت تجربته الأولى في مسلسل “خزنة” في هو دور صغير منحه – رغم صغره- فرصة لاختبار أجواء التصوير والإنتاج التلفزيوني. 

وعلى عكس المسرح حيث يعيش الممثل التجربة كاملة في عرض واحد أمام الجمهور؛ كان التلفزيون يعتمد على التكرار وإعادة المشاهد، وهو ما تطلب منه تأقلمًا جديدًا مع أسلوب العمل.

في البداية، لم يكن يشعر بالراحة، لكنه مع الوقت بدأ في اكتشاف الفروق الدقيقة بين المسرح والتلفزيون، واستطاع أن يوظف مهاراته المسرحية في تقديم أداءات طبيعية أمام الكاميرا. وبمرور الوقت، أصبح التلفزيون مساحة جديدة لتقديم موهبته لجمهور أوسع. لكنه لم يكن من الممثلين الذين يقبلون أي دور يُعرض عليهم، بل حرص على اختيار الشخصيات التي يشعر بأنها تضيف إلى مسيرته. ولذلك لم يكن يبحث عن البطولة المطلقة، بل يفضل الأدوار التي تمنحه فرصة للتعبير عن نفسه كممثل، سواء كان ذلك في أدوار رئيسية أو ثانوية. هذا النهج جعله يظهر في أعمال متنوعة، حيث قدم شخصيات مختلفة تمامًا عن بعضها البعض، دون أن يقع في فخ التكرار أو النمطية.

ليس مجرد ممثل: كيف دعم إبراهيم الحساوي ملامح السينما السعودية؟
فيلم عايش (2009)

مع ظهور السينما السعودية كمساحة جديدة للفن، وجد الحساوي نفسه أمام تحدٍ آخر؛ فالسينما على العكس من التلفزيون، تحتاج إلى مستوى أعلى من التركيز على التفاصيل، حيث تعتمد الكاميرا على التقاط أدق التعبيرات والانفعالات. هذه التجربة منحته مجالًا أوسع لاستكشاف إمكانياته كممثل، كما أنها منحته فرصة للعمل على شخصيات ذات عمق نفسي أكبر.

في السينما، لم يكن هناك حاجة إلى المبالغة في الأداء، بل كانت التفاصيل الدقيقة هي التي تصنع التأثير، وهو ما وجده مناسبًا لطريقته في التمثيل.

ورغم نجاحه في السينما والتلفزيون لم يتخلَّ عن المسرح، بل ظل يعود إليه بين الحين والآخر، مدركًا أن المسرح هو الأساس الذي صنعه كممثل. فالمسرح يمنح الممثل تفاعلًا مباشرًا مع الجمهور، ويضعه أمام اختبار حقيقي لقدراته، حيث لا مجال لإعادة المشهد أو التعديل بعد العرض. هذا النوع من التحدي ظل يجذبه، وجعله يحرص على أن يكون حاضرًا في المشهد المسرحي حتى مع انشغاله في السينما والتلفزيون.

فيلم ( هوبال - 2024)
فيلم ( هوبال – 2024)

ما يميز تجربة إبراهيم الحساوي أنه لم يكن يسعى وراء النجومية السريعة، بل دومًا ما يبحث عن التجربة الفنية التي تمنحه إحساسًا بالرضا كممثل. لم يكن مجرد مؤدٍ يحفظ النصوص ويقدمها، بل كان دائمًا يحاول أن يضيف شيئًا من روحه إلى الشخصيات التي يجسدها. هذا الالتزام جعله قادرًا على التنقل بين أنماط تمثيلية مختلفة، حيث قدم شخصيات متنوعة بين الرجل البسيط، والشخصيات المركبة التي تحتاج إلى معالجة نفسية عميقة.

كما أن قراءته للشعر واهتمامه بالكتابة جعلاه أكثر حساسية للكلمة، وهو ما انعكس على أدائه، حيث كان دائمًا يولي اهتمامًا خاصًا للنصوص التي يعمل عليها. هذه الخلفية الأدبية جعلته قادرًا على فهم الشخصيات بشكل أعمق، وإضفاء لمسة خاصة على كل دور يؤديه.

الفنان السعودي إبراهيم الحساوي في مسرحية "نوستالجيا"
الفنان السعودي إبراهيم الحساوي في مسرحية “نوستالجيا”

الاحتفاء بمسيرة إبراهيم الحساوي ليس مجرد احتفاء بشخص، بل احتفاء بنموذج لفنان التزم بالفن كرسالة، وقدم أعمالًا تحمل بصمة خاصة. في كل مرحلة من مراحل رحلته، كان يبحث عن التحدي الجديد الذي يدفعه إلى التطور، ولم يكتفِ بالبقاء في منطقة الراحة.

 هذه القدرة على التجديد والتطور جعلته قادرًا على البقاء في المشهد الفني رغم كل التغيرات التي شهدها. اليوم، يعد إبراهيم الحساوي واحدًا من الأسماء التي أسهمت في تشكيل الهوية البصرية للدراما والسينما السعودية، ورحلة عطائه لا تزال مستمرة، حاملة معها شغف البدايات، ونضج التجربة، وإيمانًا بأن الفن الحقيقي هو ذلك الذي يُصنع بشغف وصدق.

اقرأ أيضا: «هوبال».. مراجعة إبداعية لقطعة من التاريخ الاجتماعي

شارك هذا المنشور

أضف تعليق