أيام معدودة تفصلنا عن انطلاق المسابقة السينمائية الأهم في العام، 22 فيلمًا تتنافس على سعفة كان الذهبية، الجائزة الأرفع التي لطالما كرّست لمسيرات فنية صار أصحابها من أيقونات صناعة الفن السابع. كالعادة، قمنا بعملية بحث موسعة حول الأفلام المختارة للمسابقة، تابعنا المعلومات والمواد المعلنة عن كل فيلم، ونظرنا لمسيرة صانعه وعلاقته السابقة بالمهرجان العريق، لنأتي إليكم بهذا المقال التقديمي الموسع، الذي لا غنى عنه لكل من يرغب في متابعة مسابقة الدورة الثامنة والسبعين من مهرجان كان السينمائي الدولي.

المخطط الفينيقي The Phoenician Scheme (الولايات المتحدة)
مرة جديدة يعود ويس أندسون إلى مسابقة كان، في مشاركة ستكون الرابعة للمخرج صاحب البصمة البصرية الخاصة، والحاصل على جائزة الأوسكار أخيرًا العام الماضي لأحسن فيلم قصير، بعد مرات عديدة ترشحت فيها أفلامه الطويلة دون أن تنال الجائزة. كالعادة يجمع أندرسون قائمة ضخمة من أكبر النجوم في فيلم يدور جانب من أحداثه في العالم العربي. البطولة لبينيتشو ديل تورو وميا ثريبليتون، مع أدوار متنوعة لتوم هانكس وسكارليت جوهانسن وريز أحمد وماتيو أمالريك وبندكت كمبرباتش.
بطل الحكاية جاجا كوردا (ديل تورو)، رجل أعمال أوروبي ثري ينجو من سادس محاولة اغتيال فيقرر توريث ثروته لابنته الراهبة، وهي ابنته الوحيدة جوار تسعة أبناء رجال، ليدخل في مغامرة يطارده فيها أثرياء مؤثرون وجواسيس دوليون وقتلة محترفون. الفيلم تم إطلاق إعلانه الرسمي بالفعل، حيث يسبق عرضه في كان إطلاقه في القاعات سريعًا في مطلع يونيو.
استغلا عرض كان كخطوة للترويج، والإعلان الذي يكشف كون الفيلم تنويعة جديدة للأعمال التي ألفناها من ويس أندرسون، دفع بعض النقاد للتساؤل حول جدوى إدراج الفيلم في المسابقة دون توقع أي جديد من جانبه، فمخرج بهذا الاسم الشاهق والأعمال الضخمة التي تشبه بعضها البعض، ربما يكون مكانه الأنسب هو العروض الخاصة خارج المسابقة، لكنه إخلاص مهرجان كان المعتاد لمخرجيه المحببين. فلعل «المخطط الفينيقي» يفاجئنا بما لم تفعله أفلام صانعه الأخيرة.

إدينجتون Eddington (الولايات المتحدة)
إذا كان اختيار ويس أندرسون للمسابقة محل اختلاف، فإن ظهور مواطنه آري آستر الأول موضع ترحيب كبير من الجميع بالمخرج الذي يظهر في مهرجان كان للمرة الأولى. صانع الأفلام المستقل الذي دخل من باب السينما المستقلة عندما فاجئ فيلمه الأول «وراثي Hereditary» الجميع في مهرجان صندانس 2018، لتبدأ شركة A24 الأشهر في عالم الأفلام المستقلة الأمريكية دعمه بشكل مستمر ليقدم أفلامًا متميزة هي «ميدسومار» Midsommar 2019، ثم «بو خائف» Beau is Afraid 2023، وصولًا لفيلمه الطويل الرابع الذي يقوده إلى المسابقة الأكبر في العالم للمرة الأولى.
ملخص «إدينجتون» يوحي ببعض الاختلاف عن بصمة آستر التي رسخها في أعماله السابقة، والتي تمزج بين الرعب والكوميديا السوداء وتحاول استقراء النفس البشرية. الفيلم الجديد يُوصف بأنه فيلم ويسترن معاصر، تدور أحداثه في بلدة إدينجتون بولاية نيو ميكسيكو الأمريكية خلال شهر مايو 2020، وتحديدًا خلال فترة الاشتراطات الصحية المشددة بسبب جائحة فيروس كورونا. حيث يرفض أحد الأشخاص ارتداء قناع الوجه خلال وجوده في متجر، مما يؤدي لتصاعد المشكلة بعدما يتدخل فيها شريف البلدة، الذي يلعب دوره النجم خواكين فينيكس الذي يظهر في أفلام آستر للمرة الثانية.
يشارك فينيكس البطولة كل من بيدرو باسكال وإيما ستون وأوستن باتلر، والذين يمثل حضورهم مع مسيرة المخرج الملفتة والمتصاعدة، ودعم A24 للفيلم أسبابًا تجعله أكثر الأفلام الأمريكية في المسابقة إثارة للاهتمام والترقب.
ألفا Alpha (فرنسا)
يمكن بسهولة وصف المخرجة جوليا دوكرنو بأنها الابنة المدللة لمهرجان كان خلال السنوات الأخيرة، فالمهرجان وجد فيها صوتًا معاصرًا، يُمثل السينما الفرنسية وسينما المرأة، مع قدر لا بأس به من غرابة الأطوار التي يفضلها الفرنسيون، والتي ظهرت منذ عرضت فيلمها القصير «جونيور Junior» في المهرجان عام 2011، عن مراهقة تصاب بفيروس يجعل جسدها يتحور بشكل مفاجئ.
صنعت دوكرنو فيلمها الطويل الأول «نيء Raw» ليختاره أسبوع النقاد عام 2016، فتنال جائزة الإتحاد الدولي للنقاد الذي أغرم أعضاءه بقصة الفتاة التي تلتحق بالجامعة فتبدأ في تكوين شهوة لأكل اللحم البشري. نوع جديد من الرعب الممزوج بالفلسفة وأفلام النضج استمرت في تطويره بفيلمها الثاني المدويّ «تيتان Titane» الذي فاجأ الجميع عندما شارك في المسابقة الدولية، لتقرر لجنة التحكيم التي رأسها الأمريكي سبايك لي تتويجه بالسعفة الذهبية، الاختيار الذي فاجأ البعض في ظل غرابة موضوع الفيلم الذي تمارس فيه فتاة عرض ذات سمات ذكورية الجنس مع سيارة فتحمل منها، وتنتحل شخصية ابن مفقود لرجل كي تختبئ من مطارديها!
تتويج «تيتان» رسخ حضور جوليا دوكرنو لتبدأ في إنجاز فيلمها الثالث، والأول باللغة الإنجليزية، والتي تجمع فيه النجمة الإيرانية المقيمة في فرنسا جولشفته فرحاني، والنجم الفرنسي صاحب الأصول الجزائرية طاهر رحيمي. الحكاية تؤكد أن المخرجة لن تغادر عوالمها المألوفة، حتى وإن دارت الأحداث في الماضي بمدينة متخيلة تحاكي نيويورك وقت اكتشاف جائحة الإيدز. حيث يتم اكتشاف فيروس جديد خطير، وتتسبب شائعة تطول فتاة في الحادية عشر من عمرها بأنها مصابة بالمرض الجديد إلى رفض زملاء الدراسة لها. لم يتم الكشف عن أكثر من هذا الملخص مع صورة للفتاة صاحبة الدور الرئيسي، لكنها كانت معلومات كافية لترقب العمل الجديد من آخر امرأة نالت السعفة الذهبية للمهرجان.

مدعيان عامان Two Prosecutors (أوكرانيا)
من إنتاج ست دول ليس من بينها أوكرانيا، لكننا ننسبه لجنسية مخرجه الذي يمكن اعتباره أشهر مخرج أوكراني معاصر، وأكثرهم نشاطًا. سيرجي لوزنيتسا الذي يتوقف عن العمل وتقديم فيلم جديد كل عام أو عامين، والذي يعود للسينما الروائية بعد سبع سنوات من عرض فيلمه الشهير «دونباس Donbass» في مسابقة نظرة ما عام 2018، والذي أخرج بعده سبع أفلام وثائقية طويلة وثلاثة قصيرة. الرقم الذي يعكس حجم نشاط المخرج الذي قد ينقسم البعض حول بعض أفلامه، لكن الكل يجمع على مهارته في التعامل مع المواد الأرشيفية.
«مدعيان عام» تجربة مختلفة من لوزنيتسا، الذي لا يصنع فيلمًا روائيًا فقط، بل يصنع فيلم مأخوذ عن عمل أدبي هو رواية بنفس الاسم لجيرجي ديميدوف، تدور أحداثه في فترة حكم ستالين المخيفة، وتحديدًا عام 1937، حين يتخرج شاب بشهادة في القانون ويُعيّن مدعيًا عامًا، ليدخل وظيفته بحماس شديد لسياسة الاتحاد السوفيتي، لكن قناعاته تهتز عندما تقابله قضية أولى تقوم على رسالة مسربة من داخل أحد السجون كتبها شاب تم سجنه ظلمًا بمخطط من الشرطة السوفيتية، ليجد البطل نفسه في معضلة أخلاقية قد تضعه في مواجهة أحد أشرس الأنظمة القمعية في التاريخ.
مشاركة سيرجي لوزنيتسا هي الرابعة في مسابقة كان، والثامنة في المهرجان بشكل عام، حصل خلالها على جائزة الإتحاد الدولي للنقاد (فيبريسي) عن فيلمه الروائي «في الضباب In the Fog» عام 2012، وجائزة الإخراج من مسابقة نظرة ما عن «دونباس» عام 2018، بالإضافة إلى تنويه خاص من لجنة تحكيم العين الذهبية لأحسن فيلم وثائقي عن «سياق بابي يار Babi Yar. Context» عام 2021.

نسور الجمهورية Eagles of the Republic (السويد)
فيلم سيثير الجدل بالتأكيد، يعود به المخرج السويدي ذو الأصول المصرية طارق صالح إلى مسابقة كان للمرة الثانية، بعد فوزه بجائزة أحسن سيناريو عام 2022 عن «صبي من الجنة Boy from Heaven»، ليقدم مرة ثالثة عملًا ينتمي للنوع الذي صار المخرج على علم بأنه شهادة مروره إلى المهرجانات الكبرى: تقديم أفلام جريمة ترتبط بخلفية سياسية، تدور في نسخة افتراضية من مصر. افتراضية لا لأن صاحبها اختار أن تكون خيالية، ولكن لأنه يفترض علاقات الواقع وتوازنات القوى ويبني حكايته بناءً على تلك الفرضية.
بعد تجارب في التحريك وأفلام محدودة النجاح، قدم صالح «حادث النيل هيلتون The Nile Hilton Incident» عام 2017، مستوحيًا إياه من جريمة قتل المغنية سوزان تميم. الفيلم نال جائزة الفيلم الدرامي من مهرجان صندانس، وجذب الأضواء لصالح كي يقدم فيلمًا أمريكيًا ناطق بالإنجليزية بعنوان «المتعاقد The Contractor»، لكن فشل الفيلم في تحقيق نجاح يذكر دفع صانعه للعودة سريعًا إلى الطريق السابق ليروي في «صبي من الجنة» حكاية طالب أزهري يفد إلى القاهرة فيجد نفسه داخل مؤامرة أمنية تدور داخل مكتب إمام الأزهر الأكبر.
نجاح الفيلم جعل صالح يدرك أن ذلك هو الطريق الملائم لأفلامه، ليقدم في «نسور الجمهورية» حكاية يكشف ملخصها عن انتمائها لنفس العالم: ممثل مصري شهير يتم الضغط عليه كي يلعب بطولة فيلم من دعائي من إنتاج الحكومة، ليصبح في مشكلة عندما يدخل علاقة مع زوجة الجنرال المكلف بالإشراف على التصوير. يلعب دور البطولة ممثل طارق المفضل فارس فارس، السويدي ذو الأصول السورية، ومعه لينا خضري، الفرنسية من أصول جزائرية، وشيرين دعيبس، الأمريكية من أصول فلسطينية، بجوار الممثل المصري عمرو واكد. الحملة الدعائية للفيلم وصفته بأنه أكبر إنتاج في التاريخ لفيلم ناطق بالعربية، بعدما وصلت ميزانيته عشرة ملايين دولار. عمل بالتأكيد سيكون على قائمة حضور كان من العرب والمهتمين بالشأن المصري والعربي.

تاريخ الصوت The History of Sound (الولايات المتحدة / بريطانيا)
ممثل السينما الكويرية في مسابقة كان يأتي من أحد الطيور المهاجرة: المخرج الجنوب أفريقي المقيم في الولايات المتحدة أوليفر هيرمانوس، والذي يظهر في المسابقة للمرة الأولى بعد 14 عامًا كاملة عن فوزه بجائزة السعفة الكويرية Queer Palm عن فيلمه «جمال Beauty» الذي شارك في مسابقة نظرة ما عام 2011 وأطلق شهرته الدولية التي فتحت له أبواب العمل بين بريطانيا وهوليوود، ليتنافس في مسابقة فينيسيا الدولية بفيلم «موفي Moffie» عام 2019، ثم يترشح لجائزتي أوسكار عن فيلمه الأشهر «معيشة Living» ضمن أفضل أفلام 2022.
عودة هيرمانوس إلى كان تأتي بفيلم مأخوذ عن قصة قصيرة بنفس العنوان للكاتب الأمريكي بين شاتوك، تدور أحداثها بين عامي 1916 و1919 في الشمال الشرقي الأمريكي، وبينما ينشغل العالم بكوارث الحرب العالمية الأولى يتقابل شابان محبان للموسيقى، ويقرران أن يخوضا معًا رحلة في المنطقة النائية من أجل تسجيل الأصوات والموسيقى الشعبية، لتتزامن الرحلة مع وقوعهما في الحب في زمن كان ذلك الحب يعتبر جريمة. يلعب الشخصيتان الممثل جوش أوكونور الذي عرفه الجمهور بلعب شخصية الأمير تشارلز في مسلسل «التاج The Crown»، وبول ميسكال الذي ترشح عام 2023 لجائزة الأوسكار عن دوره في الفيلم الرقيق «بعد الشمس Aftersun».

روميريا Romería (إسبانيا)
عودة قوة للسينما الإسبانية إلى مسابقة كان، بعد قرابة الربع قرن على اختيار أفلام أي مخرج آخر بخلاف صديق المهرجان الكبير بيدرو ألمودوفار للمسابقة. كان اختار هذا العام فيلمين إسبانيين مرتقبين في المسابقة، أولهما الفيلم الجديد للمخرجة كارلا سيمون، أحد أنجح صانعات السينما خلال الأعوام الماضية، والتي تصل إلى كان للمرة الأولى كي تختتم ثلاثية فيلمية ارتبطت بمهرجان برلين.
سيمون تعالج ذكرياتها الخاصة في أفلامها التي تتميز بأسلوبها الحميمي وموضوعاتها التي تجمع بين الصدق والإرباك. بدأت ثلاثيتها عام 2017 بفيلم «صيف 1993 Summer 1993»، عن طفلة في السادسة من عمرها تنتقل بعد موت والديها بسبب فيروس الإيدز لتعيش مع عمها في منزله الريفي. الفيلم عُرض في قسم الجيل بمهرجان برلين وتوّج بجائزة أحسن عمل أول في مهرجان برلين، ليختار المهرجان فيلمها الثاني «ألكاراس Alcarràs» في المسابقة الرسمية عام 2022، ليُفاجئ الفيلم الجميع ويتوّج بالدب الذهبي للمهرجان، بحكايته التي تتناول ذكريات المخرجة في الحياة الريفية، ومحاولات إنشاء محطة للطاقة الشمسية في القرية التي عاشت فيها.
تصل كارلا سيمون إلى نهاية ثلاثيتها الذاتية بالفيلم الجديد «روميرا» والتي تقوم بطلته الشابة باستكمال أوراق الانضمام للجامعة، لتكتشف أن عليها العودة إلى مدينة والديها البيولوجيين لاستكمال بعض البيانات، لتكتشف وفاة والديها نتيجة فيروس الإيدز ومعاناتهما بسبب إدمان المخدرات، لتعيد اكتشاف الماضي الذي أُخفي عنها طويلًا محاولةً التصالح معه. عمل منتظر وفقًا لإسهامات المخرجة السابقة ولموضوعه المثير للاهتمام.

صراط Sirat (إسبانيا)
الفيلم الإسباني الثاني في المسابقة يأتي من أحد الأبناء المفضلين لمهرجان كان، وصناع الأفلام الذين تمكنوا في عمر مبكرة من تحقيق نجاح دولي وتكوين قاعدة جماهيرية من المحبين المخلصين للأفلام شديدة الخصوصية التي يصنعها، والتي ترتبط بالطبيعة والصحراء والعناصر الأولية كالنار والرماد، مع بصمة بصرية مميزة كل أعماله، ناهيك عن ارتباطه الشديد بالمغرب الحاضر دائمًا في الأفلام، وهو المخرج الإسباني أوليفر لاكس.
في 2010 اختير فيلمه الأول «كلكم كباتن You All Are Captains» في نصف شهر المخرجين في كان لينال جائزة الاتحاد الدولي للنقاد (فيبريسي)، الفيلم دار في دار مغربية لرعاية الأطفال المشردين، ثم اختار أسبوع النقاد فيلمه الثاني «ميموزا Mimosas» عام 2016 لينال جائزة أسبوع النقاد الكبرى، الفيلم كان مقسّمًا لثلاثة فصول تحمل أسماء حركات الصلاة الإسلامية، ثم جاءت المشاركة الثالثة بفيلم «نار سوف تأتي Fire Will Come» في مسابقة نظرة ما عام 2019، لينال جائزة لجنة التحكيم، وهو الفيلم الوحيد الذي دارت أحداثه في إسبانيا وليس المغرب.
بعد أن فاز في أقسام كان الثلاثة جاء الدور على أن يأمل للفوز في المسابقة الدولية التي يصل إليها للمرة الأولى بفيلم «صراط»، والذي اختار عنوانه مجددًا من اللفظ الإسلامي الذي يشير للجسر الذي يعبر فيه الخاطئون يوم الحساب. في «صراط» تختفي فتاة مراهقة خلال حضورها لحفل صاخب في صحراء الجنوب المغربي، ليسافر والدها وشقيقها الأصغر إلى المغرب بحثًا عنها، فيخوضا رحلة في المنطقة النائية بحثًا عن الفتاة المختفية. الإعلان الذي أطلق حديثًا للفيلم يعد بمتعة بصرية لافتة لكل من يشاهده على الشاشة الكبيرة.

العقل المدبر The Mastermind (الولايات المتحدة)
ثالث الأسماء الأمريكية الحاضرة في مسابقة كان هي كيلي ريتشاردت، أحد أبرز صانعات الأفلام الأمريكيات المستقلات خلال القرن الحالي. تمتاز ريتشاردت بالحساسية الكبيرة التي تقدم بها أفلامها، وبتنقلها من مشروع إلى آخر باختلافات كبيرة في الشكل والموضوع وحجم الإنتاج، وإن كانت تميل دومًا لاختيار ممثلين ذوي نجومية معقولة لدعم أفلامها، كما كانت ميشيل ويليامز بطلة فيلميها السابقين المشاركين في كان: «ويندي ولوسي Wendy and Lucy» في مسابقة نظرة ما 2008، و«الظهور Showing Up» في المسابقة الرسمية 2022.
هذه المرة تستعين ريتشاردت بالنجم البريطاني جوش أوكونور، وهو ثاني فيلم يلعب بطولته في المسابقة مع «تاريخ الصوت». الطريف أن أحداث الفيلمين تدور في زمن ماضي. أحداث «العقل المدبر» تدور في نهاية الستينيات ومطلع السبعينيات، على خلفية حرب فيتنام وما أحدثته من أثر في المجتمع الأمريكي. حيث يقوم شاب ذكي بتكوين فريق لتنفيذ خطة محكمة لسرقة عدد من الأعمال الفنية القيمة، ليجد نفسه يدخل في مغامرة للهروب بهذه الأعمال تقوده لمواجهات غير متوقعة. ملخص القصة قد يوحي بفيلم مغامرات معتاد، ولكن البصمة المميزة لأعمال المخرجة بما فيها من هدوء وحس تأملي تجعلنا نترقب كيف ستقوم بمعالجة قصة من هذا النوع على طريقتها الخاصة.

موجة جديدة Nouvelle Vague (فرنسا)
عودة أخرى إلى الماضي لكن في سياق مختلف تمامًا يُقدم عليها المخرج الأمريكي الشهير ريتشارد لينكلاتر، في فيلم من إنتاج فرنسي يعود إلى لحظة نشأة الموجة السينمائية الأهم في تاريخ السينما الفرنسية (والعالمية من وجهة نظر البعض): الموجة الفرنسية الجديدة. حيث يروي الفيلم فترة صناعة فيلم جان لوك جودار الشهير «حتى آخر نفس Breathless»، الفيلم الذي عُرض عام 1960 ليُدشن الموجة التي غيرت شكل السينما الفرنسية للأبد.
لينكلاتر المعروف على المستوى الدولي بالثلاثية فائقة النجاح «قبل الشروق Before Sunrise» و«قبل الغروب Before Sunset» و«قبل منتصف الليل Before Midnight» وبفيلمه الفائز بالأوسكار «صبا Boyhood»، يشارك في كان للمرة الثانية فقط رغم كونه الفيلم الثالث الذي يعرضه المهرجان، بعدما خصّه كان عام 2006 بامتياز نادر عندما عُرض «أمة الطعام السريع Fast Food Nation» في المسابقة الدولية، بينما تنافس فيلم «ماسح في ظلام A Scanner Darkly» في مسابقة نظرة ما في نفس الدورة. يعيش لينكلاتر حالة من النشاط المستمر، حيث تنافس في مسابقة مهرجان برلين خلال فبراير الماضي بفيلم آخر هو «قمر أزرق» الذي يتناول لحظة من حياة أحد الفنانين أيضًا. فاز الفيلم بجائزة أحسن ممثل في دور داعم.
بالنسبة للفرنسيين الذين يتعاملون دومًا بحساسية مع كل ما يتناول ماضيهم سيكون الفيلم ضمن أهم أحداث المهرجان، أما بالنسبة لمحبي السينما سيكون من الممتع تقييم أداء جيوم ماربيك لدور جودار، وأوبري دولان لدور جان بول بلموندو، ناهيك عن متابعة فيلم قائمة شخصيات تضم فرانسوا تروفو وآنيس فاردا ولوك شابرول وإريك رومر وغيرهم.

كان مجرد حادث It Was Just an Accident (إيران)
اسم كبير آخر من أكبر صناع الأفلام المعاصرين هو الإيراني جعفر بناهي، المخرج الذي انشغل خلال العقد الأخير بكثير من المشكلات القانونية مع النظام الإيراني الذي حكم عليه بالسجن، لكنه لم يتوقف عن صناعة الأفلام حتى عندما كان موضوعًا تحت الإقامة الجبرية. بناهي تحرر من الأزمات القانونية أخيرًا وصنع فيلمه الجديد بحرية كاملة قد تجعلنا نتوقع فيلمًا مختلفًا عن أعماله الأخيرة.
بناهي الذي حصد من قبل أسد فينسيا الذهبي عام 2000 عن «الدائرة The Circle»، ودب برلين الذهبي عام 2015 عن «تاكسي Taxi»، يحلم باستكمال المجموعة والحصول أخيرًا على سعفة كان الذهبية، في ظهوره الخامس في كان بشكل عام والثاني فقط في المسابقة الرسمية، فقد كانت مشاركته الوحيدة السابقة عام 2018 بفيلم «ثلاثة وجوه 3 Faces» لينال وقتها جائزة أحسن سيناريو.
حتى كتابة هذه السطور يفرض جعفر بناهي سرية كاملة على فيلمه الجديد، فلم تخرج مواد دعائية سوى صورة واحدة وملخص بسيط لا يختلف كثيرًا عما يذكره العنوان: ما يبدأ كحادث بسيط يبدأ سلسلة من التبعات المتصاعدة. لكن الخبرات السابقة مع قدرة المخرج الإيراني على خلق دراما متشابكة ذات معانٍ إنسانية عميقة قد تجعل هذا المخلص يحمل وعدًا بالكثير.

رينوار Renoir (اليابان)
إذا كانت مسابقة كان تضم عادة أحدث أفلام المخرجين المتمرسين، ويقوم المهرجان في أغلب الحالات باختبار المخرجين في أقسام مختلفة قبل ترقيتهم للمسابقة الدولية، فإن كل عام يشهد اختيار عدد محدود جدًا من أفلام العمل الأول والثاني، ضمن تلك القائمة المحدودة تظهر هذا العام المخرجة اليابانية تشي هاياكاوا التي يمنح المهرجان الفرصة لفيلمها الثاني كي يتنافس في المسابقة الأهم.
هاياكاوا من أبناء المهرجان، حيث شارك فيلم تخرجها القصير «نياجرا Niagara» في مسابقة أفلام المعاهد «سينيفونداسيون» عام 2014، ثم شاركت في الإقامة الإبداعية التي ينظمها المهرجان كي تطوّر فيلمها الطويل الأول «خطة 75 Plan 75» الذي قام المهرجان باختياره لمسابقة نظرة ما عام 2022. الفيلم لفت الأنظار بموضوعه الذي يدور في مستقبل قريب متخيل تتخذ الحكومة اليابانية فيه تدابير غريبة للتعامل مع أزمة تصاعد متوسط أعمار الشعب في ظل تناقص المواليد.
في فيلمها الثاني «رينوار» تنتقل تشي هاياكاوا من المستقبل إلى الماضي، وبالتحديد في نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات حيث عشان المجتمع الياباني فترة من الازدهار الاقتصادي الذي اتضح لاحقًا كونه فقاعة مالية انفجرت بشكل ضخم لاحقًا. في تلك السنوات المزدهرة تعيش فوكي، فتاة حساسة في الحادية عشر من عمرها، يعاني والدها من مرض مميت، وتنشغل والدتها بضغوط العمل المستمر، لتخوض الفتاة رحلة النضج وحدها مقابلة عددًا من البالغين الذين تراقب أفعالهم.

صوت السقوط Sound of Falling (ألمانيا)
فيلم آخر ينتمي للقائمة المحدودة لأفلام العمل الأول والثاني التي تفتح لها أكبر مسابقة سينمائية أبوابها، هذه المرة دون علاقة سابقة تجمع المخرجة بمهرجان كان الذي ستظهر فيه للمرة الأولى على الإطلاق، بفيلم سيكون أول فيلم ناطق بالألمانية يتم اختياره لمسابقة كان الدولية منذ ثماني سنوات، تحديدًا منذ عرض فيلم المخضرم فاتي أكين «في الذبول In the Fade» عام 2017.
«صوت السقوط» هو ثاني أفلام المخرجة ماشا شيلينسكي، التي عُرض فيلمها الأول «فتاة زرقاء داكنة Dark Blue Girl» عام 2017 في قسم السينما الألمانية بمهرجان برلين السينمائي، أي إنه لم يكن حتى ضمن اختيارات برليناله لأفضل ثلاثة أفلام محلية ليُعرض ضمن المسابقة الرسمية، لكن شيلينسكي تمكنت من لفت انتباه كان لفيلمها الطويل الثاني، الذي يوحي المخلص المُعلَن لقصته بعمل ذي طبيعة ملحمية.
الأحداث تدور في أربعة عصور مختلفة، تحديدًا في العقود الثاني والخامس والتاسع من القرن العشرين، والعقد الثاني من القرن الحالي. بطلة الحكاية في كل زمن امرأة مختلفة، غير أن ما يجمع البطلات الأربع أن كلٌ منهن عاشت مرحلة من طفولتها أو مراهقتها في نفس المزرعة الموجودة في مقاطعة ألمارك الألمانية، ومع تقدم الأحداث في العصور الأربعة، نبدأ في اكتشاف الرابط الذي يجمع كل هؤلاء النساء. اختيار العقود بفروق زمنية تلائم الأجيال قد تجعلنا نتوقع انتمائهن لأربعة أجيال متتالية في عائلة، لكن ربما يفاجئنا الفيلم باختيارات أخرى.
ملف 137 Dossier 137 (فرنسا)
عشرون عامًا كاملة احتاجها المخرج الفرنسي دومينيك مول كي يعود إلى مسابقة كان، التي شارك فيها مرتين مسبقًا، الأولى عام 2000 بفيلم «مع صديق مثل هاري With a Friend Like Harry» والثانية في 2005 بفيلم «ليمنج Lemming». مول يعود هذه المرة بفيلم «ملف 137» الذي يمكن اعتباره ممثل السينما الملتزمة بالقضايا الاجتماعية في المسابقة، وهو نوع يحرص المهرجان باستمرار على وجود أحد أفلامه في المسابقة كل عام.
خلال المؤتمر الصحفي لإعلان الأفلام المُختارة، وصف مدير المهرجان تيري فريمو عن الفيلم بأنه «يذكرنا بقواعد الديمقراطية والجمهورية، وقواعد المراقبة والتحكم». الوصف يتماشى مع الحكاية التي تتابع ستيفاني، العاملة في مفوضية تفتيش الشرطة الوطنية IGPN، وهي ما يمُكن اعتباره «شرطة الشرطة» في فرنسا، أي الجهة التي تراقب عمل الشرطة وتتأكد من عدم ارتكابها أي تجاوزات. تُكلف ستيفاني بالملف 137، والمرتبط بإصابة أحد المتظاهرين خلال حركة السترات الصفراء الشهيرة. المهمة تبدأ كتحقيق اعتيادي، قبل أن يضع الأمر ستيفاني أمام تساؤلات أخلاقية كبرى تتعلق بممارسات الشرطة بشكل عام. اختار دومينيك مول الممثلة ليا دروكر الحاصلة على جائزة سيزار لأحسن ممثلة فرنسية عام 2019 عن فيلم «وصاية Custody» للعب دور البطولة.

خارج Fuori (إيطاليا)
ممثل السينما الإيطالية في مسابقة هذا العام هو المخرج ماريو مارتوني، أحد المخرجين الذي يشاركون على فترات متباعدة في كان، لكنها تأتي دائمًا مشاركات مثيرة للانتباه، كان أحدثها عام 2022 عندما تنافس في المسابقة الدولية بفيلم «نوستالجيا Nostalgia»، الفيلم الذي كان متميزًا بحكايته حول رجل مُهاجر يعود إلى مدينته نابولي بعد 40 عامًا من تركه إياها. الفيلم لم يحصل على جوائز في كان لكنه حصد 15 جائزة لاحقًا واعتبر أفضل فيلم إيطالي في عام إنتاجه.
مشاركة مارتوني هذا العام ستكون الرابعة في كان، فقبل «نوستالجيا» كان قد شارك مرتين: في المسابقة الدولية عام 1995 بفيلم «الحب المزعج L’amore molesto»، وفي مسابقة نظرة ما عام 1998 بفيلم «بروفات للحرب Rehearsals for War». وسيكون «خارج» ظهوره الثالث في المسابقة الدولية بعد 30 عامًا كاملة من مشاركته الأولى فيها.
في الفيلم الجديد تلعب النجمة الإيطالية فاليريا جولينو، الحاصلة على جائزة أحسن ممثلة في مهرجان فينسيا مرتين، دور كاتبة غريبة الأطوار، تُقدم على تصرف ينتهي بها داخل السجن، لتقابل هناك سجينات شابات وتكوّن معهن علاقة وطيدة يصعب على الآخرين فهمها. هذا الملخص هو كل ما صدر عن الفيلم، ومعه مشهد دعائي تظهر فيه جولينو بصحبة امرأتين شابتين في سيارة يقودها رجل متقدم في العمر، ويبدو على الجميع الاستمتاع بالرحلة. المشهد الدعائي والموضوع ونوع الأفلام التي يقدمها ماريو مارتوني، كلها أمور تجعلنا نتوقع فيلمًا ذا طابع أدبي كلاسيكي.

مُت يا حبي Die, My Love (الولايات المتحدة)
بعد أسبوعين من المؤتمر الصحفي الذي شهد إعلان 19 فيلمًا من المسابقة، أضاف المهرجان كعادته فيلمين يُكمل بهما القائمة، كان منهما هذا الفيلم الذي تعرض المهرجان خلال الأسبوعين لانتقادات متتالية بسبب غيابه عن الاختيارات، باعتباره واحدًا من أفلام العام المرتقبة التي يرى المتابعون أن مكانها الطبيعي هو مسابقة كان، لا سيما مع العلاقة الممتدة التي تربط صانعته بالمهرجان، وفريق النجوم العالمي الذي تعمل معه هذه المرة.
الصانعة هي الإسكوتلندية لين رامزي في فيلمها الطويل الخامس والأول من إنتاج أمريكي كامل، بعد أربعة أفلام سابقة تم اختيارها جميعها في كان، بل وسبقها فوز فيلمها القصير «رجل الجاز Gasman» بجائزة لجنة تحكيم الأفلام القصيرة عام 1996. رامزي شاركت في مسابقة نظرة ما عام 1999 بفيلمها الطويل الأول «صائد الفئران Ratcatcher»، ثم في نصف شهر المخرجين 2002 بفيلمها الثاني «مورفرن كالار Morvern Callar»، قبل أن تصل للمسابقة الدولية بفيلمين هما «علينا الحديث عن كيفن We Need to Talk About Kevin» عام 2011، ثم «لم تكن هنا حقًا أبدًا You Were Never Really Here» الذي نالت عنه جائزة السيناريو عام 2017.
تعود لين رامزي للمسابقة للمرة الثالثة، وللمهرجان للمرة الرابعة، بفيلم يجمع النجمان جينفر لورنس وروبرت باتينسون، مأخوذ عن رواية ذائعة الصيت تحمل نفس العنوان للكاتبة الأرجنتينية أريانا هارفيتش، تحكي معاناة امرأة مضطربة نفسيًا تعيش في مزرعة بريف مونتانا الأمريكية من اكتئاب ما بعد الولادة. صحيفة الغارديان كانت قد وصفت الرواية بأن أسلوبها «مسبب للإدمان»، خلال تناولها «تابوهات الرغبة الأنثوية والولاء الأبوي وغياب غريزة الأمومة، وحتى سِفاح القُربى»، وكلها أوصاف قد تفسر حماس المخرجة لتحويل الرواية فيلمًا.

بيت الأمهات الصغيرات The Young Mother’s Home (بلجيكا)
إذا كانت أفلام لين رامزي الخمسة تم اختيارها في كان، فإن الرقم القياسي يظل في حوزة الأخوين البلجيكيين جان بيير ولوك دردان، صانعا الأفلام المقربين للمهرجان، واللذين صار اختيار أي فيلم جديد لهما في المسابقة أمرًا معتادًا، بغض النظر عن مستوى الأفلام نفسها، والذي يتراوح بين أفلام عظيمة جعلتهما من القائمة الشرفية المدهشة لمن نالوا السعفة الذهبية مرتين، وأفلام متواضعة لا سبب لاختيارها في المسابقة الأهم سوى اسم صانعيها.
«بيت الأمهات الصغيرات» يُمثل مشاركة الأخوين دردان العاشرة في مسابقة كان الدولية. تسع مشاركات سابقة حصدا فيها سعفتين ذهبيتين، عن «روزيتا Rosetta» عام 1999 و«الطفل The Child» عام 2005، كما نالا جائزة السيناريو عن «صمت لورنا Lorna’s Silence» عام 2008، جائزة لجنة التحكيم الكبرى عن «الطفل ذو الدراجة The Kid with a Bike» عام 2011، جائزة الإخراج عن «أحمد الصغير Young Ahmed» عام 2019، وجائزة خاصة بمناسبة اليوبيل الماسي للمهرجان عن «توري ولوكيتا Tori and Lokita» عام 2022، وهي بالمناسبة الجائزة المناظرة لما ناله يوسف شاهين في اليوبيل الذهبي عام 1997.
في الفيلم الجديد «بيت الأمهات الصغيرات» يواصل الأخوان دردان الاتجاه الحقوقي الداعم للاندماج الذي سيطر على أفلامهما الأخيرة، حيث تدور الأحداث داخل مأوى تسكن فيه الفتيات المراهقات اللاتي يحملن بأطفال، ليحاولن التعايش مع مرحلة جديدة من حياتهن تدخلنها مبكرًا عن العمر الطبيعي. في البيت تعيش خمس فتيات، منهن واحدة من أصول أفريقية وأخرى من أصول عربية، ليرصد الفيلم تعايشهن معًا. الحكاية قد تصلح لأن تكون فيلمًا وثائقيًا لكنه فيلم روائي، وهي سمة صارت متكررة في أفلام المخرجان المخضرمان لا سيما مع تقدمهما في العمر. وكما هو المعتاد في كل مرة نكتشف فيها فيلمًا جديدًا لدردان، تكون كل الاحتمالات متاحة، من أسعد المفاجآت إلى أتعس الصدمات.

الأخت الصغيرة La petite dernière (فرنسا)
في مقابل الظهور العاشر للإخوين دردان يسجل كان 78 الظهور الأول في المسابقة لواحدة من بنات المهرجات المخلصات، حفصية حرزي، الفرنسية ذات الجذور التونسية التي شاركت في المهرجات مرات عديدة كممثلة، قبل أن تبدأ مسيرتها الإخراجية ليفتح لها مهرجان كان أبوابها بالطريقة التقليدية: ترقية المخرج الجديد من البرامج الأقل أهمية نحو الأهم. عُرض فيلم حفصية حرزي الأول «تستحق حبيبًا You Deserve a Lover» في أسبوع النقاد 2019، ثم نال شارك فيلمها الثاني «أم طيبة Good Mother» جائزة أحسن فريق تمثيلي في مسابقة نظرة ما 2021، صنعت بعده فيلمًا تلفزيونيا، قبل أن تصل إلى المسابقة أخيرًا بفيلمها الجديد.
مثل «أم طيبة»، تكتفي حرزي بإخراج الفيلم دون أن تشارك في بطولته، لكنها ستضع فيه بالتأكيد بعض ذكرياتها الخاصة كابنة مهاجرين عرب تعيش في فرنسا، حيث يتابع الفيلم حكاية فتاة ذات جذور جزائرية، الشقيقة الصغرى بين ثلاث فتيات تعشن في أسرة بالضواحي الفرنسية، تلتحق بالجامعة لتخرج من ثقافتها الأم التي نشأت فيها، وتنتقل إلى قلب المدينة لتبدأ في اكتشاف الحياة الأوروبية التي كانت منعزلة عنها، تتعرف على الحب وتكتسب صداقات، وتختبر لأول مرة الصراع ما بين الحفاظ على الهوية والتصالح مع الحداثة. اختارت حرزي الممثلة الشابة نادية مليّتي للعب دور البطولة، مراهنة على قدرتها على تقديمها باعتبارها الوجه الجديد للتمثيل الفرنسي ذي الأصول العربية.

العميل السري The Secret Agent (البرازيل)
ناقد وصحفي ومبرمج وصانع أفلام روائية ووثائقية وصفات أخرى تنطبق كلها على البرازيلي كليبر ميندوسا فيلو، أحد العقول السينمائية اللامعة في عصرنا الحالي، وواحد من المخرجين الذين نترقب الجديد منهم في كل مرة، وهو ما يدركه مهرجان كان الذي يجد دومًا مكانًا لأفلام ميندوسا فيلو يتناسب مع نوعها. مشاركته الأولى في المسابقة كانت عام 2016 بفيلم «أكواريوس Aquarius» قبل أن ينال جائزة لجنة التحكيم عن «باكوراو Bacurau» الذي شارك إخراجه مع جوليانو دورنيلز عام 2019، ثم يشارك خارج المسابقة عام 2023 بالوثائقي «صور الأشباح Pictures of Ghosts»، وها هو يعود لكان للمرة الرابعة، وللمسابقة لثالث مرة.
«العميل السري» فيلم مرتقب، كيف لا وفيه يعود نجم البرازيل الأول فاجنر مورا لأداء أول دور باللغة البرتغالية بعد ثماني سنوات من النجاح الهوليوودي، كان أبرز ما فيها لعبه دور امبراطور المخدرات الأشهر بابلو إسكوبار في مسلسل «ناركوس Narcos». يجسد فاجنر شخصية أستاذ جامعي يعيش عام 1977، خلال السنوات الأخيرة للديكتاتورية العسكرية في البرازيل، في زمن اشتدت فيه القبضة الأمنية العنيفة في البلاد بشكل غير مسبوق.
يترك البطل حياته في ساو باولو، ويفر سرًا إلى مدينة ريسيفي (مسقط رأس المخرج التي لا يزال يبرمج عروض السينما فيها حتى اليوم) خلا انعقاد كرنفال المدينة الشهير. يأمل البطل لأن يلم شمله بابنه ويهرب من مطاردة السلطات، لكن وشاية تجعله يدخل معركة مع أذرع الفساد الضارب في كل أنحاء البلاد.

قيمة عاطفية Sentimental Value (النرويج)
أحد أكثر الأفلام المرتقبة في المسابقة لأسباب عديدة، على رأسها قيمة صانعه الموهوب خواكيم ترير وموقع الفيلم في مسيرته. ترير الذي عرفه العالم باعتباره الصوت السينمائي النرويجي الأبرز خلال القرن الحالي، خاصةً بعد إنجازه ثلاثية عن عاصمة بلادته عُرفت باسم ثلاثية أوسلو، بدأت بفيلم «إعادة Reprise» الحاصل على جائزة أحسن مخرج من مهرجان كارلوفي فاري 2007، ثم فيلم «أوسلو 31 أغسطس Oslo, August 31st»، وأخيرًا «أسوأ شخص في العالم The Worst Person in the World» الذي خطف الأنظار في مهرجان كان 2021 وترشح لجائزتي أوسكار أحسن فيلم أجنبي وأحسن سيناريو.
بعد أربعة سنوات من التوقف يعود ترير بفيلمه الأول بعد إتمام الثلاثية، مسجلًا ظهوره الثالث في المسابقة والرابع في مهرجان كان بشكلٍ عام. فيلم حشد له فريق تمثيل كبير على رأسه ريناته ريسيفه التي جعلها «أسوأ شخص في العالم» النجمة الأولى للسينما الاسكندنافية، ومعها السويدي المخضرم ستيلان سكارسجارد والنجمة الأمريكية إيل فانينج.
الملخص المعلن للفيلم يصفه بأنه: استكشاف حميمي ومؤثر للأسرة والذاكرة وقوة الفن التصالحية. لكن موقع سيني يوروبا تمكن من كشف تفاصيل القصة التي تجسد ريسيفه فيها دور ممثلة مسرحية شهيرة، تنقلب حياتها وأختها الوحيدة رأسًا على عقب عندما يعود والدهم المخرج الذي كان شهيرًا، ساعيًا للتكفير عن أخطاء الماضي وعارضًا على ابنته أن تلعب بطولة فيلم سيعود به للأضواء، لكنها لا ترغب في فتح الجراح القديمة. بينما تجسد إيل فانينج دور نجمة سينمائية أمريكية تزور أوسلو خلال هذه الوقائع الأسرية والفنية. العام بدأ بتتويج مفاجئ للفيلم النرويجي «أحلام (جنس/ حب) Dreams (Sex/Love)» بالدب الذهبي لمهرجان برلين، فهل تكون سنة السينما النرويجية في كان أيضًا؟

امرأة وطفل Woman and Child (إيران)
آخر فيلم تمت إضافته لاستكمال المسابقة، وثاني الأفلام الإيرانية في الاختيارات، لمخرج آخر تعرض لمتاعب قانونية مع السلطة الإيرانية بسبب أفلامه، لكنه أكثر شبابًا وأقل خبرة بكثير من رفيقه في المسابقة جعفر بناهي. المخرج هو سعيد روستايي المولود عام 1989 (بما يجعله أصغر مخرجي المسابقة سنًا، بفارق عامين عن حفصية حرزي المولودة في 1987)، والذي حُكم عليه بالسجن ستة أشهر بسبب فيلمه السابق «أخوان ليلى Leila’s Brothers»، الذي تنافس في مسابقة كان الدولية عام 2022 ونال جائزة الإتحاد الدولي للنقاد (فيبريسي).
تم اتهام روستايي بالمشاركة في الدعاية المضادة للجمهورية الإسلامية لرفضه تنفيذ تعديلات مطلوبة على الفيلم، ليقضى تسعة أيام فقط في السجن ثم ينال إفراجًا مشروطًا لخمس سنوات، شرطه «صناعة أفلام تتماشى مع المصلحة والأخلاق الوطنية». يبدو الشرط صعبًا على التحقيق بالنظر إلى مسيرة المخرج الموهوب، الذي تطرق لمساحات جديدة من النقد الاجتماعي، مثل تفشي ترويج المخدرات في الشارع الإيراني في فيلم «فقط 6.5 Just 6.5» الذي شارك في مسابقة فينسيا 2019، وألاعيب استغلال حاجات البسطاء لتحقيق أرباح مالية في «أخوان ليلى».
ملخص «امرأة وطفل» قد يوحي بقدر أقل من إثارة الجدل، فالحكاية عن أرملة شابة تعاني من متاعب ابنها النفسية، ثم تدخل في مشكلة عندما تقرر أن تتزوج مرة أخرى. يشارك في البطولة الممثل الإيراني الشهير بيمان معادي بطل فيلم أصغر فرهادي الشهير «انفصال A Separation» بينما تلعب البطولة بريناز إيزديار التي شاركت من قبل مع روستايي في «فقط 6.5».

بعث Resurrection (الصين)
قبل ستة أيام فقط من افتتاح المهرجان، قررت الإدارة إضافة فيلم جديد لتصل المسابقة إلى 22 فيلمًا بدلًا من 21. الأمر كان نتيجة لانتظار حصول فيلم المخرج بي جان على تصريح السلطات الصينية بالعرض خارج البلاد، وهو ما يعكس حرص المهرجان الشديد على وجود الفيلم لدرجة إضافته في هذا التوقيت غير المعتاد مما تسبب في تأخير الإعلان عن جدول العروض.
بي جان حديث العهد بكان، لكن ظهوره في المرتين السابقتين كان ملفتًا. بدأ الأمر عام 2018 عندما كان فيلمه «رحلة يوم طويلة نحو الليل Long Day’s Journey Into Night» أول فيلم في تاريخ مسابقة كان يتم توزيع نظارات الأبعاد الثلاثية على حاضريه، بسبب احتواءه على مشهد ثلاثي الأبعاد مُبهر يستمر 59 دقيقة تم تصويرها في لقطة واحدة طويلة. وبينما ينتظر الجميع فيلمه التالي، يفاجئ بي جان الجميع ويصنع فيلمًا قصيرًا عنوانه «قصة قصيرة A Short Story» يتم اختياره أيضًا لمسابقة كان الدولية للأفلام القصيرة.
الفيلم الجديد «بعث» يدور في مستقبل خيالي، تحديدًا عام 2068، حيث تفيق امرأة من جراحة دماغية لتجد نفسها في عالم مفزع بعد فناء البشرية، عالقة مع روبوت ميت، تتمكن من إيقاظ حواسه تدريجيًا عبر سرد حكايات من التاريخ الصيني كل ليلة. وعندما تنتهي قصصها، يكون عليها الاختيار بين العودة إلى الواقع أو البقاء مع الروبوت التي بدأت في تكوين مشاعر تجاهه.
اقرأ أيضا: برئاسة جولييت بينوش.. مهرجان كان السينمائي يكشف أعضاء لجنة تحكيم مسابقته الرسمية