لا يزال مشروعهما الأول سويًا يحقق النجاح ويحصد الجدل والمشاهدات منذ عرضه الأول العام الماضي على منصة نتفليكس. ولا تزال هناك مشاريع وتجارب عدة يستعد لها الثنائي نورا أبو شوشة وعلي العطاس بعد نجاح مسلسلهما «جايبة العيد»، فهل يستمرا في أعمالهما المقبلة في إثارة ومناقشة المسكوت عنه في المجتمع السعودي؟ هذا السؤال وأسئلة أخرى، كان محور حديثنا مع الثنائي السعودي الناجح خلال لقائهما مع فاصلة.
تحكي لنا نورا أبو شوشة إن بدايتها الحقيقية كانت بعيدة جدًا عن السينما والدراما، إذ عملت لسنوات ضمن فريق عمل «خواطر» للإعلامي أحمد الشقيري، وبالموازاة عملت في مجموعة من البرامج الأخرى. مما أشعرها باستقرار شجعها على اتخاذ خطوة الكتابة للدراما والسينما. خاصة إن تلك كانت رغبة استمرت معها لسنوات.
تعددت محاولات نورا للكتابة للدراما، وقدمت نصوصًا لعدة جهات للحصول على فرص أو منح إنتاجية من بينها «مهرجان أفلام السعودية»، إلا أنها لم تُوفَّق، إلى أن قدمت فيلمها القصير «يا حظي فيك» الذي جعلها تقرر ترك العمل في البرامج التلفزيونية وتركيز جهدها كله في طريق حلمها، فأسست شركة إنتاج خاصة قدمت من خلالها نحو 13 مشروعًا معظمها برامج تلفزيونية، ومنها مسلسلا «رهن التحقيق» و«اعترافات بنات».
تشير نورا إلى أن خبرتها في إدارة شركة الشقيري لسنوات طويلة جعلتها مؤهلة لإدارة شركتها، لافتة إلى أنها تتفهم عدم توفيقها في التجارب الأولى وتعرضها للرفض أكثر من مرة لكونها كانت تحتاج إلى ممارسة أطول واكتساب خبرة أفضل في الكتابة لتصبح أعمالها على مستوى أفضل من تلك التجارب الأولى التي لم تحظ بالقبول.
ورغم عرض فيلمها الأول ضمن عروض قسم «السعودية الجديدة» بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، إلا أنها لم تشعر بالقلق من غيابه عن المنافسة على الجوائز، إذ كان اهتمامها الأكبر في تلك المرحلة هو خبرة العرض المباشر للنقاد والجمهور خصوصًا لكي يشاهده أهلها في جدة، مؤكدةً أن هذه الفترة كان الأهم فيها خروج التجربة إلى النور وعرضها في مهرجان سينمائي مهم بحضور صناع السينما من مختلف أنحاء العالم.
أما علي العطاس، فكانت تجربته الأولى أكثر ذاتية، إذ كان اهتمامه بمشاكل اضطرابات النوم والأرق مدخلًا لكتابة فيلمه القصير «متى أنام» الذي أخرجه حسن السيد، قبل أن يتولى مهمة مونتاج فيلم نورا القصير الأول «يا حظي فيك». ويعتبر على مشاركته في مسلسل «رهن التحقيق» الذي عرض خلال فترة جائحة كورونا، وعمل عليه مع فيصل الدوخي وريما الحبيب، هو بدايته الحقيقية.
لكن فيلم «متى أنام؟» وإن مثل اللقاء الأول بين العطاس والسينما، إلا أنه لم يكن البداية الفعلية له مع فنون العرض الجماهيرية، فقد سبقه انخراطه في صناعة المحتوى عبر الإنترنت بدءًا من العام 2011، إذ كان من أوائل من التفتوا من المبدعين السعوديين لفنون العرض عبر الإنترنت وما تقدمه من فرصة لطرح الأفكار والتواصل مع الجمهور مباشرة، وذلك من خلال مشاركته في محتوى قناة «يوتيرن» الشهيرة، ذات الصيت الواسع، فقد كان من مؤسسي القناة وأخرج لها برنامج «إيش اللي..؟».
اتجه العطاس بعد ذلك للعمل في الإعلانات الإبداعية والمشاريع التجارية والبرامج التلفزيونية، وفي نفس الوقت كان يبدأ مسيرته في مجال الكتابة، إلى أن جاء النجاح مع عرض مسلسل «جايبة العيد».
توقعنا الأسوأ
يؤكد علي العطاس إدراكه أن العمل مليء بالعناصر التي يمكن أن تثير الجدل، وأنه توقع ردود فعل سلبية قبل عرضه، أو على حد قوله «توقعت الأسوأ»، مشيرًا إلى أنهم فضلوا جعل شخصية البريطاني مسلمًا حتى يكون الأمر مقبولًا اجتماعيًا، وحتى لا يكون جزءًا من الجدل حول كيفية زواج بطلة المسلسل «رزان» بشخص «كافر».
مؤكدًا أنهما وفريق عمل المسلسل لم يتعمدوا إثارة الجدل، «لكن القصة جاءت من واقع نعيشه، مع وجود الكثير من الأشخاص الذين لديهم تجارب مماثلة». لافتًا إلى أن المواقف التي حدثت واقعية بشكل كبير وبها جانب كوميدي وإنساني، مع تقصُّدِهم خلال الأحداث طرح تساؤلات عديدة – قد تكون شائكة- بشكل مقبول اجتماعيًا.
وهنا تتدخل نورا بالإشارة إلى كون والدتها بريطانية ووالدها سعودي، وكثيرًا ما كانت تسمع قصصًا طريفة عن اختلاف الثقافة بينهما، ومنها على سبيل المثال تعليم والدها لوالدتها طهي الكفتة، ولكنها قدمتها على الطريقة البريطانية، لافتة إلى أن هذه الفوارق كانت سببًا في مواقف كوميدية حقيقية.
وأضافت أنها توقعت أن يكون العمل كوميديًا إنسانيًا بشكل أكبر، خصوصًا وأن فكرة الزواج من أجانب منتشرة في مدن عدة في السعودية، منها جدة على سبيل المثال، وهو ما جرى تأكيده من واقع الحكايات التي استمعوا إليها من نساء مررن بقصص وحكايات مشابهة.
جدل التريلر
من بين الأمور التي تتحدث عنها نورا، الجدل الذي صاحب «التريلر» الدعائي للمسلسل، الذي تؤكد أنها لم تشعر عند مشاهدته قبل طرحه بوجود أي نوع من الاستفزاز فيه للجمهور، لافتةً إلى أنها الوحيدة التي شاهدته قبل طرحه، وكان يفترض أن تعرضه على عدد أكبر من الأفراد للحصول على رأيهم ورصد ردود الفعل عنه.
وأضافت أن الانتقادات التي وجِّهت للعمل ارتكزت على «التريلر» بالفعل وليس العمل نفسه، وهو أمر يمكن الانتباه إليه مستقبلًا في المشاريع المقبلة، «لكن مع ضرورة الانتباه إلى أننا لا نسعى لإرضاء الجميع، ولكن نركز على تقديم الترفيه للمشاهدين والاستفادة من تعليقاتهم على ما نقدمه».
أما العطاس، فيؤكد أنه توقع مسبقًا ردود الفعل التي واجهها المسلسل من الجمهور، خصوصًا على منصة «إكس» (تويتر سابقًا)، مؤكدًا أن رهانه على جودة العمل وأنه لا يحمل أي شيء مثير للجدل بشكل حقيقي جعله يتابع ردود الفعل التي سبقت العرض من دون أن يُفاجأ.
ويرى العطاس أن ردود الفعل «كانت إيجابية بشكل كبير في الوسط الفني داخل وخارج السعودية»، فلم يجد من لم يعجبه العمل، وهو أمر جعله يشعر بالسعادة.
لكن نورا أبو شوشة فوجئت بردود الأفعال على عكس شريكها في الكتابة. تحكي نورا لـ فاصلة عن تعرضها للإحراج بعدما اتصل بها والدها وأخبرها بأنه شاهد ما يحدث على «إكس» بعد عرض «التريلر» الدعائي للمسلسل، لكن والدها كان داعمًا ومساندًا لها إذ أكد لها إعجابه بالعمل والقضية التي يطرحها وعبر لها عن فخره به، لكنه شعر ببعض الحرج من الهجوم الذي حدث.
وأضافت أنها لم تشعر بالانزعاج من الانتقادات السلبية على المستوى الشخصي بشكل كبير، وكانت تطلب من بناتها عدم الرد عليها.
تحضيرات متواصلة
تقول نورا إن التحضيرات للعمل استمرت لفترة طويلة مع كتابة العديد من المسودات في كل حلقة، «لدرجة أنه لا توجد حلقة كتبنا لها أقل من 9 مسودات قبل الشروع في اعتمادها بشكل نهائي، مع تعديلات للوصول للصورة التي شاهدها الجمهور»، لافتةً إلى أن الكوميديا التي اعتمد عليها ثنائي الكتابة في الأحداث كانت كوميديا النص نفسه، مع إضافة «إفيهات» في النهاية، لكنها لم تكن الإطار الأساسي للعمل.
وأضافت أن الأساس بالنسبة لهم كان الاعتماد على مواقف مضحكة في الكتابة، على أن يكون الباقي خلال التنفيذ من الممثلين، مشيدةً بأداء خالد الحربي المتميز في الدور، بجانب حمزة حق، البريطاني، الذي وضع لمسات خفيفة على الدور بما يتناسب مع شخصيته في الأحداث.
ويختص العطاس الخلفية الكوميدية لخالد الحربي بالذكر من بين باقي فريق العمل، مشيرًا إلى أنهم فضلوا الاستعانة بالممثلين بناءً على قدرتهم في تقديم الأدوار، انطلاقًا من أن الكوميديا موجودة بالفعل في السيناريو.
ورغم عدم طلب شبكة نتفليكس جزءًا جديدًا من المسلسل الذي عُرض في 4 حلقات، إلا أن نورا وعلي يؤكدان حماسهما لتقديم جزء جديد، خصوصًا بعد ردود الفعل الإيجابية التي حصداها في الفترة الماضية.
تشير نورا إلى أن المستشار الأميركي الذي تمت الاستعانة به أخبرهم بأن الأمور سارت بشكل سريع للغاية، لافتةً إلى أن العمل استغرق حوالي 6 أشهر ككتابة فقط فيما استغرق اكثر من عام للخروج إلى النور..
الطريق إلى السينما
ربما تكون خلفيته في تقديم المحتوى الفكري والفني عبر الإنترنت، أحد الدوافع التي تجعل علي العطاس يضع حريته في الكتابة في مقام متقدم عند الحديث عن الكتابة للسينما. إذ يؤكد لفاصلة إنه لا يريد أن يسمح للجمهور بالتحكم فيه عند كتابته للسينما في إشارة لإعلاء قيم المكسب التجاري على المحتوى الفني. لكنه في الوقت نفسه سيركز على جذب الجمهور، والاهتمام بتحقيق المنتجين الذين يعمل معهم بالأرباح، ولكن ليس على حساب ما يقدمه من موضوعات وأفكار وتناول. مؤكدًا «الأفلام ليست نوعًا واحدًا، والسينما السعودية منفتحة الآن جدًا على التجريب والمغامرة».
واعتبر العطاس أن صناع السينما والمخرجين «بحاجة لمعرفة جمهورهم بشكل أفضل، خصوصًا المخرج الذي لا بد أن يعي الجمهور الذي يخاطبه ليقدم ما يهتم به»، مبديًا رغبته في التعاون مع وائل أبو منصور بعدما عمل معه سابقًا في فيلم «مدينة الملاهي» وشارك بمشهدين، لكنه أحب التجربة لشعوره وقتها بأن النص حقيقي وأن الكاتب استطاع حكي القصة بشكل بسيط وعميق في الوقت ذاته.
فيما تميل نورا أبو شوشة أكثر إلى كسب حب الجمهور، مع سعيها لتقديم الأفلام التي تلامسهم وتكون ممتعة لهم، خصوصًا وأنها وبناتها من محبي الذهاب للسينما، لافتةً إلى أنها شاهدت تجربة «سطار» مع بناتها في السينما واستمتعت بالفيلم باعتباره تجربة خفيفة وممتعة.
وترى أبو شوشة أنه لا تعارض بين صنع أفلام تلامس الجمهور ومسلية، وتحمل قيمة في الآن نفسه. مشيرةً إلى أن هذه المعادلة على الرغم من صعوبة تحقيقها إلا أنها ممكنة وهناك أفلام كثيرة نجحت في إنجازها، دون أن تنفي أن هناك من يصنع أفلام للتسلية فقط وهي لا تنكر على هذه الأفلام أهميتها لأن التسلية والترفيه هو احتياج إنساني أساسي يمكن للسينما أن تشبعه.
تحديات الصناعة
النقلة للسينما يسبقها لدى علي ونورا عديد من الاعتبارات التي يتفقان في بعضها، فعليّ يعتبر أن صناعة السينما في السعودية لا تزال غير ناضجة، ويغيب عنها وجود ما يسميه «نموذج عمل واضح»، إلى جانب معاناة صناع الأفلام من المشكلات المالية، لافتًا إلى أنه بدون استمرار الدعم، ليس من الممكن الاستمرار في تقديم أعمال سينمائية.
وأضاف أن الوقت يمر والصناعة لا تزال تتشكل، مع تطورات كبيرة في السوق مرتبطة بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي الذي يتواصل تعزيز توصيفه في السينما، الأمر الذي يتطلب الإسراع في التوصل إلى صياغة واضحة تدعم السينما.
وتتفق معه نورا في أن «الاستثمار» بمعناه الاقتصادي غائب عن سوق صناعة السينما في السعودية حيث يُلقى العبء الإنتاجي كله تقريبًا على عاتق الدعم القائم من مؤسسات السينما الرسمية، فيما تغيب الثقافة نفسها عن مجتمع الأعمال والاستثمار. لافتةً إلى أن هناك عددًا قليلًا من الأفلام حقق نجاحًا جماهيريًا في الفترة الماضية، «إذا نظرنا لتلك الأفلام الناجحة، سنجد أن هناك فيلمين فقط استحقا الاستثمار، وهو رقم قليل لبناء الثقة مع المستثمرين للدخول إلى قطاع السينما».
وأضافت أن تمويل الأفلام من الصناديق أمر جيد، لكن لا يمكن البناء عليه بشكل كامل وتحميله كافة الأعباء المالية، مؤكدة ضرورة وجود آلية لتمويل الأفلام عبر الإنتاج بخلاف الموجودة في الوقت الحالي.
مشاريع جديدة
لدى نورا وعلي مشروع لفيلم طويل يعملان عليه في الوقت الحالي بشكل مشترك، بالإضافة إلى أفكار أخرى يناقشاها. وبينما لا يزال الفيلم في مسودته الثانية قيد التعديل، فإنهما يعملان بشكل متوازٍ على تطوير أعمال درامية ومناقشتها مع منصات متعددة، وهي مشاريع أيضًا لم تدخل حيز التنفيذ بعد مبينة أنها تحلم أن تقدم عمل سينمائي مع النجم فيصل العيسى والتي كانت آخر نجاحاته فيلم «شباب البومب» والذي حقق إيرادات مليونية في سوق السينما السعودية .
نرشح لك: المخرج المغربي أحمد المعنوني: صدفة جعلت سكورسيزي يشاهد فيلمي ويكتب اسمي في مذكراته