فاصلة

مراجعات

«يموت»… برودة المشاعر تلتهم الحياة قبل أن يحين الموت

Reading Time: 3 minutes

يبدأ فيلم «يموت» بامرأة مسنة تجلس على الأرض ملطخة بفضلاتها، بينما زوجها يتجول في الحي مرتديًا قميصًا فقط. كلاهما مريض، ولا يوجد أي اعتقاد بأن حالتهم سوف تتحسن، بل على العكس تمامًا. 

في “يموت” المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين 74، نتابع الفصل الأخير من حياة ليزي لونيز (كورينا هرفوش)، الأم المريضة بالسكري والسرطان، وزوجها غيرد لونيز (هانس يوي ــ بور)، المصاب بداء باركنسون (الشلل الرعاش). كلاههما يحمل لمحة من الموت، وكلاهما قريب منه، معلقين في طي النسيان بين الخرف والشيخوخة. أولادهما البالغين منشغلين في دورة الحياة والموت الخاصة بهم، توم لونيز (لارس إيديغر)، قائد أوركسترا مؤلفة من الشباب، يعيش في برلين، ولديه مشاعر غامضة تجاه المولود الجديد لصديقته السابقة، يعتبر توم نفسه والد الطفل، على الرغم من وجود والده البيولوجي.

في هامبورغ، تعيش أخته إلين لونيز (ليليث ستانغنبورغ) حياة ثملة؛ تشرب وتغني وتبدأ علاقة غرامية مع طبيب أسنان متزوج قوامها الكحول والجنس.

يموت dying

عائلة لونيز، تعاني من خلل وظيفي، فهي منقسمة، مشتتة، لكل منهم حياته ومشاكله الخاصة، ولا يوجد أي نوع من التعاطف بين أفرادها. هذه البرودة العاطفية هي العامود الفقري لفيلم المخرج الألماني ماتياس غلاسنر، الذي يدفع شخصياته خارج أجسادها وحدود شاشته، ليقدم في خليط من الجدية والسخرية جيلين من عائلة واحدة، يتصرف جيلها الأصغر بشكل سطحي. لكنهما، الابن والابنة، لا يزالان يسعيان بشكل جاهد من أجل العاطفة والشفقة.

يعود ماتياس غلاسنر إلى المنافسة الرسمية، بعد اثني عشر عامًا من الغياب عن برلين بدراما عائلية، هي الأفضل في المهرجان حتى كتابة هذه السطور.

كل الحياة موجودة في «يموت»، حتى الاكتئاب، والفن باعتباره أكسير الحياة. يقدم لنا غلاسنر مجموعة كاملة من الشخصيات والتعقيدات والتجاوزات الأخلاقية في خمسة فصول وخاتمة. ويسمح للعاطفة والحب المزيف والوعود الخائنة بأن تنبت، ومن خلالها يُمكِّن شخصياته – رغم هشاشتها- على التغلب على كبريائها ومشاركة مآسيها ولو بنظرة صامتة.

ميزة غلاسنر، أنه يتمتع بشجاعة كبيرة في معالجة قضايا معقدة ومحرجة بنغمة ساخرة خفية، ولا يترك فيلمه إلى الانجرار نحو السادية أو المواساة.

يتضمن الفيلم بعض المشاهد التي لا تُنسى، مثل مشهد المواجهة بين الأم والأبن، حوار طويل ومزعج بشكل لا يصدق. في صالة العرض، ضحك المتفرجون بأصوات مكتومة، كأنه لا ينبغي لنا أن نستمع إلى هذه الاعترافات الجدية والسخيفة في الوقت نفسه. هناك أكثر من دفن خلال الفيلم، بالتوازي مع القطعة الموسيقية التي تحمل نفس اسم الفيلم، وهناك حالات انتحار وحوادث سير وأمراض مختلفة. ويفتح هذا المنظور الطبيعي للوجود فجوات من الخفة والفكاهة في أكثر أوقات الفيلم حساسية. يضحك غلاسنر على المحرمات، وهذا ما يجعل فيلمه ناجحًا، إذ يسمح بتصوير موت الأحياء بطريقة طبيعية. ويضع المشاهد في موضع الشاهد الوحيد على آخر أنفاس الشخصية. ربما يكون العيب الوحيد في الفيلم هو الافتقار إلى المونتاج الجيد، الأمر الذي يؤدي في بعض المشاهد إلى الإصرار المفرط على التفاصيل الزائدة عن الحاجة.

يموت dying

مع مجموعة كاملة من الممثلين الألمان، يرسم ماتياس غلاسنر صورة واسعة وطموحة وغنية عن الحياة وكل ما تحتويها. يتضمن الفيلم الذي تبلغ مدته ثلاث ساعات بانوراما واسعة من رموز الخسارة الحقيقية أو الرمزية. وعبر ممثلين استثنائيين، قادرين بسهولة الانتقال بين التراجيديا والكوميديا، أحيانًا في المشهد نفسه؛ يغير الفيلم نغمته بانتظام، ويصل إلى ذروته في وقت مبكر، ثم يتباطأ مع دراما التدمير الذاتي، ويرتفع من جديد ولكن لا يصل إلى ذروته المطلقة، لأنه ينجح بأن يبقي شخصياته بعيدة، منفصلة عن المكان، وبرودتهم بين بعضهم البعض تصل إلينا في كل مشهد. هذه الطريقة تسمح للمخرج بأن يصفعنا بأكثر الكلمات المؤلمة التي يمكن أن تنطق بها أم أو ابن او ابنه تجاه بعضهما البعض.

 في «يموت» كل الأشياء القبيحة وغير المريحة تقال بشكل مباشر في وجهنا، وهذه هي الطريقة التي يعمل من خلالها الفيلم على التنفيس من توتره، عندها يكون ماتياس غلاسنر صادقًا جدًا في وحشية ما يقدمه، من دون الانزلاق إلى الرثاء أو الكوميديا الفظة.

اقرأ أيضا: فيلم «المطبخ».. رويز بالاسيوس يطهو وصفته المناسبة

شارك هذا المنشور