فاصلة

مقالات

عن أفلامنا التي تمثلنا… “ناقة” نموذجا ً

Reading Time: 4 minutes

ردود فعل متباينة، مع قطاع ليس بالقليل يشعر بالغضب، وجدل كبير – متوقع – صاحب انطلاق عرض أحدث الأفلام السعودية “ناقة” الذي بدء عرضه قبل أيام عبر منصة “نتفيلكس” ويتصدر أعلى المشاهدات في السعودية، وهو الفيلم الذي عرض أيضاً ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر ومن قبله رفعت عروضه لافتة كامل العدد في مهرجان “تورونتو” ضمن عروض منتصف الليل وسط إشادات نقدية بالفيلم.

لا خلاف على أن مواكبة النقد السينمائي السعودي للأعمال السعودية حالة صحية جدًا خاصة مع أهميته لتناول الأعمال بشكل نقدي سينمائي لا يعتمد على إرضاء صناع الأعمال فقط وتجاهل نقاط الضعف أو الخلل بالأفلام لمجرد أنها فقط سعودية، وهو الأمر الذي تزداد أهميته مع تراكم الخبرات والتجارب في السنوات الماضية إضافة للدعم الحكومي الكبير الذي يجده صناع الأفلام في المملكة.

الحديث السابق للتأكيد على أهمية النقد السينمائي وإن كان قاسياً، لكن أن يكون نقداً سينمائياً  لا مجرد كلمات فيها من  “التجريح والتشويه والتشكيك” بوطنية صناع الأعمال السينمائية، فلا خلاف على وطنية أي مبدع سعودي أياً  كان مكان وجوده، ولا يمكن لعمل فني أن يكون صورة للمملكة في الخارج، لأن الأعمال الفنية تقدم حالات، أحيانا إيجابية وأخرى سلبية.

في السينما الفرنسية على سبيل المثال تجد أفلام عدة تتناول الوضع المأساوي في أحياء اللاجئين بباريس التي تعد وجهة السائحين المفضلة عالميا ولم يتهم أحد المخرجين الفرنسيين بأنهم يحاولوا الإضرار بسمعة العاصمة، في هوليود نشاهد أفلام جريمة وقتل عنف ولا تزال شريحة كبيرة من الشباب يحلموا بزيارة الولايات المتحدة، لذا فما تقدمه السينما هي قصة فنية بها مساحة من الواقع في نماذج محدودة يسلط الضوء عليها، وبها أحيانا مساحة من الخيال قد لا تتحقق بالواقع.

أكثر ما جعلني أشعر بالإستغراب من اتهامات التخوين والتشكيك في صناع العمل هو توجيه اتهامات بالمجاملة والمحاباة لمن يشيدون بالفيلم وهو أمر أفهمه في بعض الأحيان لكن في حالة هذا الفيلم نتكلم عن عمل نال إشادات نقدية من نقاد عالميين لديهم خبرة طويلة في النقد السينمائي وتعاملوا مع الفيلم من منظور فني وليس سياسي أو اجتماعي، فالفيلم عرض وقيم فنياً بأحد أهم المهرجانات العالمية وليس في مهرجان سينمائي محلي أو مهرجان طلابي!

 ثمة أفلام سعودية طرحت بالفعل خلال الفترة الماضية لم يتلقى معظمها إشادات أو شاهدنا لها نقد تفصيلي، على غرار ما حدث مع “ناقة” وهو اعتراف ضمني باختلاف الفيلم، أما مسألة أنه لا يتشابه مع المجتمع السعودي وغريب عنه أمر يمكن الرد عليه من خلال طرح ثلاثة أسئلة هي، هل صانع الفيلم مُطالب بأن يمثل فيلمه المجتمع الخاص به؟ هل الفيلم فعلاً لا يمثل أي مجتمع من مجتمعات بلد مترامي الأطراف ومتنوع الثقافات مثل السعودية؟ هل يمكن قولبتنا وتسطيحنا كمجتمع في إطار ضيق واحد؟.

السينما متنفس لخيال صناعها والابتكار والقدرة على خلق عوالم فريدة أدوات قصصية مهمة جداً، “ناقة” في نهاية المطاف ليس فيلماً وثائقياً، وهنا أستعيد حديث المخرج محمد كردفاني معي في بودكاست خام عن نقد مماثل تعرض له بسبب فيلم “وداعاً جوليا” -الذي يتم الاحتفاء به حالياً في صالات السينما السعودية- حيث أن سيل الانتقادات كان بسبب كون الفيلم لا يمثل ولا ينقل الواقع السوداني الحقيقي.

إن وجود بوصلة أخلاقية تحكم نوعية القصص والأفلام التي يتم عرضها أمر يمكن أفهمه في مجتمعنا المحافظ، ولكن الإفراط بهذا النقد والحرص على تقديم صورة خالية من الشوائب لهذا المجتمع غير منطقي ولا يناسب المرحلة المتطورة التي وصلنا إليها من دعم سينمائي، سواءً كان ذلك الدعم لصناع الأفلام أو إتاحة الفرصة لرواية قصص متنوعة كما شاهدنا في أفلام ومسلسلات مثل “الهامور ح ع” و “ضحايا حلال” و “جايبة العيد”.

وفيما يخص تعامل المخرج مشعل الجاسر مع ما حدث وتدوينته التي شكر فيه مشاهدي الفيلم وتأكيده على التعلم من الأراء وأمنيته اعجاب المشاهدين بتجربته القادمة تعكس ثقافة الاختلاف التي يتمتع بها فالفيلم كما حصل على إشادات تعرض لانتقادات لكن الأهم أن لا ينظر للانتقادات البعيدة عن المعايير الفنية لأن وضع قيود على الإبداع سيجعلنا نعود للوراء ولا نتقدم للأمام ونقطة أخرى مهمة ليس مطلوب من كل صانع فيلم أن تحقق له نجاحا أو إجماعا ً جماهيريا! وإلا لكانت كل أفلامنا تشبه بعضها البعض ولم نقدم لهذا الفن العظيم التنوع بين الفانتازيا والواقع والتاريخ والجمال وغير ذلك من محمولات السينما.

 فيلم ناقة  عمل سينمائي طموح وجريء ساهم تحريك المياه الراكدة، فبهذه الأداءات تخلد الأعمال السينمائية والزمن كفيل بإنصاف صناعه ، أما من ناحية الهجوم التشكيك الذي واجهه صناع العمل  فليتذكروا من هوجموا سابقًا من الفنانين والمثقفين أبطال “طاش ما طاش” مثالا ً، حيث وصل الأمر إلى  للتكفير من هيئة كبار العلماء في أواخر التسعينات، ولنشاهد أين من كفرهم الآن وننظر لمكانة طاش وأبطاله في المجتمع.

دعونا ننظر بعين الفن ولا نكسر أجنحة التجريب ونحن في البدايات، فطريق السينما السعودية طويل، ويحتاج كل الأدوات والأفكار والمنعطفات والطرق الرئيسية!

اقرأ أيضا: “ناقة”.. ثمن المخاطرة السينمائية

شارك هذا المنشور