فاصلة

مراجعات

«عايشة»… آية في بلاد العجائب

Reading Time: 3 minutes

ماذا إذا مُنحت فرصة أخرى للعيش بهوية جديدة؟ ماذا إذا كانت حياتك بالأساس لا تستحق البكاء عليها؟ هل ستتخذ ذلك القرار؟ أم أنك ستحافظ على حياتك القديمة خوفًا من المجهول؟ هذه الأسئلة هي بشكل ما هي لب فيلم المخرج التونسي مهدي برصاوي الجديد «عايشة – Aïcha» والمعروض في قسم أوريزونتي (آفاق) في الدورة الـ81 لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي. 

تشعر آية، بطلة فيلم برصاوي، والتي تعمل في أواخر عشرينياتها في فندق يبعد مسافة كبيرة زمنيًا وطبقيًا عن بيتها، بأنها عالقة في حياة لا تريدها، إذ لا ترى أي أفق للتغيير، لا على مستوى اعتماد والديها عليها ماديًا ونظرتهم إليها كطوق نجاة يمكن أن يحل مشاكل العائلة بأي شكل حتى وإن كان السبيل لذلك أن تتزوج رجلًا يفوق والدها في العمر، ولا على مستوى حبيبها – مديرها في الفندق – المتزوج المماطل لها في وعوده بطلاقه من زوجته وبدء حياة جديدة معها في تونس العاصمة، حيث يشوقها بحكايات عن المدينة الكبيرة التي لم تراها هي ابنة الجنوب. 

فاطمة صفر من فيلم عايشة
فاطمة صفر من فيلم عايشة

تتعرض حافلة العمل الخاصة بآية لحادث أليم، يموت فيه جميع الركاب، وتكون هي الناجية الوحيدة، ورغم ترويع الحادث لها، إلا إنها تفكر أن ذلك قد يكون فرصتها الوحيدة في بدء حياة جديدة في المدينة التي لطالما حلمت بالذهاب إليها.

تهرب إلى العاصمة بهوية جديدة وبنقود حصلت عليها انتقامًا من مديرها الجشع، لتصل إلى المدينة باسم جديد وإمكانية لحياة تضع هي فيها كل الشروط وترسمها كلوحة بيضاء، لا يتدخل فيها أحد. 

تصل آية القروية الساذجة، المضيعة لعمرها في العمل في السياحة في فندق صغير، والتي لا تعرف أي شيء عن ديناميكيات المدينة الكبيرة، إلى العاصمة التونسية، فتبني علاقاتها الإنسانية لا على تفكير وحذر وإنما اعتمادًا على سجية غير مدربة على كشف نوايا البشر وانبهار بالعالم الجديد.

 تسكن في فندق في المدينة ثم تبدأ في البحث عن شقة للسكن، فتجد واحدة قابلة للمشاركة مع فتاة لطيفة في حي يبدو عليه التمدن، تقتنع وتدفع إيجارًا مقدمًا لمدة 6 أشهر دون سؤال، كما تفبرك تفاصيل عن حياتها أمام شريكتها في السكن لتطمئن إليها.  

فاطمة صفر من فيلم عايشة
فاطمة صفر من فيلم عايشة

تعرض عليها شريكتها في السكن، وصديقتها الجديدة، أن تريها المدينة، فتذهبان برفقة شابين إلى بار فخم، حيث يقع حادث كبير فجأة، وتتورط فيه آية كشاهدة، لكن موازين القوى التي لا تفهمها ولا تستطيع على مجابهة شرورها، تجعلها تخضع لإملاءات ربما لا تريح ضميرها. 

على الناحية الأخرى، فإن ذات السذاجة التي تتعامل بها آية يخلق لها صداقة مع صاحبة المخبز المقابل للبناية التي تسكن بها، إذ تدافع الأولى عن الأخيرة ضد طليقها، وتعتبر الأخيرة ذلك كجميل يجب رده، فتتصادقان. 

بصريًا يعتمد برصاوي على إبراز العالم بشكل كبير من خلال عيون شخصيته الرئيسية وينجح في خلق مشاعر الشخصية المختلفة سواء من مشاعر الانبهار بالعالم الجديد والحرية أو الخوف والتوتر من أقسام الشرطة أو حتى الدفء الذي تشعر به آية من علاقتها بصاحبة المخبز، كل ذلك يأتي من خلال صور المكان ذاتها.

 فاللقطات في القسم على سبيل المثال مليئة بمحاصرة البطلة في الكادر من الشخصيات الأخرى، أما في المخبز فالأجواء مشمسة دافئة، وفي البار أو الملاهي الليلية فالأضواء الصناعية من نيون وكرات الديسكو المتلألة تلعب دورًا في تصوير عالم فانتازي، إضافة إلى لقطات كاميرات المراقبة والتي تعرض ربما صورة من الواقع الذي تعيشه البلاد. 

فاطمة صفر من فيلم عايشة
فاطمة صفر من فيلم عايشة

ينجح برصاوي في حكي الكثير عن بلاده بعد الثورة من خلال قصة بطلته، خاصة عن شخصية ربما لم تحضر أي من أحداث الربيع العربي بشكل مباشر، لكنها تختبر ربما بعضًا من ذات الصراعات وتجني بعض ثمار التغيير.

 يعلق الفيلم في حكيه لرحلة بطلته على الكثير من الموضوعات المجتمعية والسياسية في تونس الحاضر، سواء سلطة العائلة أو التحيز ضد النساء وأوضاع النساء بشكل عام في المجتمع التونسي، إضافة إلى فساد ديناميكيات الأجهزة الأمنية التي تسعى لإخفاء كوارث فقط للحفاظ على صورتها أمام المجتمع. مع كل هذا فإن نهاية فيلم برصاوي تشي بشيء من الأمل، أمل ولادة جديدة، بعد مخاض مؤلم مرت به المرأة التونسية والمجتمع التونسي بشكل عام.

اقرأ أيضا: «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو».. النضج كمأساة وجودية

شارك هذا المنشور