من الصعب تناول موضوع مثير للجدل يؤثر في حياة وثقة كثير من النساء بأنفسهن كما يؤثر على حياتهن المهنية في بعض الأحوال، في اثنتي عشرة دقيقة فقط، لكن هذه الصعوبة هي ما نجحت المخرجة سماهر موصلي في تخطيه في فيلمها القصير «روج» الذي شهد مهرجان قرطاج عرضه الأولى ضمن مسابقة الأفلام الروائية القصيرة.
في مشاهد قصيرة وحوارات عميقة مكتوبة بعناية، طرحت المخرجة كيفية تقدير جمال النساء اللائي ينظر إليهن على اعتبار أنهن تخطين الشباب.
يبدأ الفيلم باحتفال مذيعة الأخبار دانة شقير البالغة من العمر 39 عامًا بعيد ميلادها. و39 هو الرقم الذي تعتبره مجتمعات عدة هو سن العد التنازلي لجمال وأنوثة النساء.
تحاول دانة تحدي ذلك المفهوم السائد، وتتردد في اللجوء إلى الإجراءات التي تقدم عليها كثير من زميلاتها في العمر نفسه قبل أن تستسلم لضغوط إجراء عملية تجميلية. من الواضح أنها ليست على استعداد لفكرة الجراحة التجميلية، بل لا تتفق مع معايير الجمال هذه وتزعم أنها ليست من هذا المستوى. ومع ذلك فهي قلقة أيضًا من فقدان وظيفتها إذا لم تعد تتناسب مع معايير المظهر الذي لا تقبل دونه الشاشات.
تدور أحداث وقصة فيلم «روج» حول ما تواجهه دانة من أقرب الأشخاص إليها. تكافح المذيعة من أجل الحصول على التأييد لاعتراضها على الخضوع لعمليات التجميل، حيث أن الضغوط لا تأتي فقط من المجتمع وبيئة العمل، بل إنها تأتي من والدتها وزملائها وجرّاح التجميل. فزميلتها عُلا، على سبيل المثال، تخبرها أنها في الأساس لن تستطيع المنافسة إذا بدت «طبيعية».
عُلا: «عمرك ما حتقدري تنافسي وانتي شكلك….»
دانة: «شكلي ايش؟»
عُلا: «إنسانة طبيعية»
لكن الفيلم أيضًا يحوّل حوارًا وحدثًا يوميًا عاديًا إلى شيء مضحك، وبطريقة ما يسمح لأمثال دانة باستعادة رعبهن وازدرائهن للطريقة التي تغيرت بها معاييرنا وسلوكياتنا. وتكمن قوة هذا الفيلم في أنه يسمح لمن ترى نفسها في دانة بالشعور بأنها على حق في تمسكها بطبيعتها، ويمنحها التعزيز الإيجابي الذي كانت دانة تبحث عنه في عالمها الخاص من خلال النقد الساخر لنظرة المجتمع.
أوضحت المخرجة في المناقشة القصيرة أثناء المهرجان أنها لا تنوي الإساءة أو انتقاد النساء اللاتي أجرين عمليات التجميل، بل سلطت الضوء على ردود الفعل لامرأة تفضل الاستغناء عن «البوتوكس»، وتكافح من أجل العثور على حلفاء مؤيدين لتأكيد معتقداتها. الفيلم ليس بيان عام ضد «التجميل» بل إنه يكشف عن مدى تطبيعه، ومدى غرابة تحدي هذا الاتجاه.
في النهاية استسلمت دانة وخضعت لحقن البوتوكس لتبدو اصغر عمرًا، لكن الفيلم يتركنا نتساءل عن النتيجة رغم التأكيد أنها ليست واعدة. وكان ربط سوق الأسهم بالبوتوكس رمزيًا، حيث إن ما تفعله النساء أشبه بالمضاربة في نتائج عمليات التجميل للحصول على الوجه المثالي، وكأنه مرتبط بقيمة وهمية للجمال والذات. وفي نفس الأوان لا نستطيع التنبؤ بنهاية مسار من تقامر بوجهها. قد لا تكون البوتوكس عملية جراحية معقدة، لكن ثقافتها تتغلغل في حياة النساء.
عندما ينتهي الفيلم، ربما يواتي المشاهد شعور بأن النهاية ليست مرضية بشكل كاف، فهي تتركك راغبًا في المزيد من نقد نظرة المجتمع، والمزيد من صراع دانة، والمزيد من المواقف والمشاهد الطريفة لتأكيد اتفاقنا الجماعي في عبثية الأمر كله. وهذا ما تفعله السينما عندما نضحك سويًا في الصالة على المشاهد التي تبرز السخف والتناقض والمفارقات التي تشكل حياة المرأة. خصوصًا تلك المرأة التي تحاول السير على خط دقيق يجمع بين القوة، والانوثة، والاستقلال، والجمال.
وعلى الرغم من ندرة القصص التي تحكي عن هذا الموضوع الشائك، إلا أن أحد الأسئلة التي وجهت للمخرجة بعد العرض الثاني للفيلم، «أليس هناك قضايا أكثر أهمية يجب معالجتها فيما يتعلق بحقوق المرأة السعودية؟» صناعة البوتوكس سواء في المملكة العربية السعودية أو المنطقة العربية أو العالم بأسره هي قضية كونية، ومن خلال سينماها تمكنت سماهر موصلي من تناولها بطريقة فعالة مما جعل الصراع الشخصي لامرأة تبلغ من العمر 39 عامًا في المملكة العربية السعودية قابلًا للربط بين النساء في جميع أنحاء العالم.
الأكيد في فيلم «روج» أن المخرجة سماهر موصلي لديها أسلوبها الخاص والحيوي في التصوير، والانتباه الدقيق لجماليات المكان الذي تدور فيه أحداث القصة. رغم أننا نعيش الأحداث مع البطلة دانة في مدينة الرياض، إلا أن المكان يبدو خياليًا وغير محدد بسبب الاستخدام الذكي للألوان وتصميم الصوت وطريقة كتابة الحوارات. وهذا يؤكد أنها مخرجة لها مستقبل واعد في هذا المجال بصوت سينمائي خاص. فيلم «روج» يجعل المشاهد مترقبًا للفيلم الطويل القادم للمخرجة، خاصة إذا كنا نتوقع منها أن تستمر في تطوير نظرتها الساخرة التي هي أساس سردها وطرحها المختلف عما اعتدنا عليه.
اقرأ أيضا: أحسن 20 فيلمًا عربيًا في 2024 (قائمة شخصية)