عشر سنوات تقريبًا مرّت منذ تشخيص روبن ويليامز (1951 – 2014)، بمرض «خرف أجسام ليوي». هذا التشخيص كان القشة التي قصمت روحه. فعدم قدرته النفسية والجسدية على التعامل مع هذا المرض العصبي الخطير والموهن، وضعه عند حافة الانهيار، وفي حالة من اليأس، أقدم على الانتحار.
اختفى الرجل الذي كان يومًا أحد أكثر الممثلين المحبوبين والمحترمين في صناعة السينما، لكن إرثه يظل خالدًا لا يمحى. في 21 يوليو 2024، كان سيبلغ 73 عامًا، ولهذا السبب بالذات، نريد أن نتذكره، نتذكر الرجل الذي سرق قلوبنا، ورسم البسمة على وجوهنا، وأبكانا، وأثّر فينا. خلال أكثر من ثلاثة عقود من حياته المهنية، بنى سمعته باعتباره «طفلًا كبيرًا»، يتمتع بموهبة كبيرة في الارتجال والإيماءات التي تضحكنا بدون أي جهد من طرفه. خلال تلك السنوات، تناوب عمله في هوليوود بمونولوجاته الكوميدية الارتجالية (ستاند اب كوميدي) على خشبة المسرح، حيث أظهر مرارًا وتكرارًا قدرته التي لا تنضب على الارتجال. ليس هناك شك في أنه استمتع بما فعله، وليس فقط عندما كان يمثل. بل وعندما ظهر في المقابلات التلفزيونية كان مسليًا للغاية، إلى درجة أنّه كان بإمكان المقدمين البقاء صامتين. وبمجرد أن يبدأ روبن في الكلام، لن يتوقف. لقد كان مفعمًا بالحيوية والبهجة.
روح دعابة روبن وقدرته على الارتجال وعمقه المذهل، تجاوزت الشاشة. لكن حياته خارجها كانت أكثر تعقيدًا. الحزن هو الذي جلبه إلى أدواره الشهيرة لتكون انعكاسًا للاكتئاب الذي عانى منه لسنوات عديدة. هو الذي اعترف قائلًا: «أعتقد أن الأشخاص الأكثر حزنًا يسعون دائمًا إلى إسعاد الآخرين، لأنهم يعرفون ما يعنيه الشعور بعدم الفائدة، ولا يريدون أن يشعر أي شخص آخر بهذا».
طوال حياته، سعى للهروب بالمخدرات والكحول، وأصبح مدمنًا على ممارسة الرياضة وألعاب الفيديو. وكان هوسه بالعمل مدمّرًا. وكلما حاول الهروب من الاكتئاب، كلما جره أكثر إلى الأسفل. هذه هي الشياطين التي حاربها أستاذنا المحبوب.
ولد في ميشيغان، ولم يكن يتمتع بطفولة سعيدة. هو حفيد حاكم لولاية مسيسيبي وعضو في مجلس الشيوخ. كان والده، مديرًا تنفيذيًا في شركة «فورد» للسيارات، ووالدته عارضة أزياء، وكان طفلًا وحيدًا. تربى على يد المربيات والأفراد العاملين في المنزل. وفي معرض حديثه عن تربيته، قال عام 2009: «الطفل المثالي يُرى، ولا يُسمع»، ووصف كيف تمكن من التواصل مع والدته من خلال الفكاهة، «حاولت العثور على أشياء تجعلها تضحك، أو القيام بأصوات أو أي شيء من شأنه أن يتيح لي أن أحصل على استجابة منها»
وحدته ترسخت في أحد عقارات عائلته التي اشترت منزلًا مكونًا من 40 غرفة فيما هو الطفل الوحيد! وكان لروبن الطابق الثالث بأكمله! لقد وضع جنوده الدمى – كان لديه الآلاف منها – في تلك الغرف، ولم يكتف بتنظيم معارك معقدة بين الجنود من عصور مختلفة، بل كتب لهم حوارًا. ومع ذلك، لم يكن في خيالاته الطفولية أي شيء يتعلق بالتمثيل. ركض عبر البلاد وصارع ودرس بجدّ. درس العلوم السياسية على خطى جده، في «كلية كليرمونت» للرجال، وهناك اكتشف المسرح، وكان مخمورًا به إلى درجة أنه ترك السياسة لدراسته. وافق والده على مضض. بعد الدراسة ذهب إلى سان فرانسيسكو، عمل في المطاعم والتقى بزوجته الأولى، وبدأ العمل في الكوميديا.
اعترف علنًا بأن الكوكايين كان جزءًا من حياته منذ سنواته الأولى في الكوميديا: «إنهم يعطونه لك مجانًا، الجميع يشجعك عليه». في مرات عدة على خشبة المسرح، كان يقول ممازحًا: «الكوكايين هو وسيلة الله لإخبارك أنك تجني الكثير من المال». بالنسبة إليه كان هذا المخدر وسيلة للهروب: «بالنسبة لي، كان الأمر مهدئًا حقيقيًا، ووسيلة للابتعاد عن العالم». كان يلجأ إلى الفكاهة في أكثر لحظاته الدراماتيكية. أعلن في إحدى المقابلات: «ذهبت لمركز إعادة التأهيل في أرض النبيذ، فقط لإبقاء خياراتي مفتوحة». وحتى عندما كان يتحدث عن أسوأ شياطينه، كان ينهي جملته بابتسامة حزينة، مما يجعل من الصعب تخيل الاكتئاب الذي يسكنه. لقد كان يقاتل باستمرار، إلى درجة أنه قبل وقت قصير من وفاته، عاد إلى مركز إعادة التأهيل للحفاظ على رزانته. وصف صراعاته في مقابلة عام 2007، معترفًا: «لا، أنا لست دائمًا ممتعًا، الناس ترى شيئًا واحدًا. في المنزل أكون مختلفًا».
بالنسبة لويليامز، كانت الصداقة دائمًا واحدة من أقدس القيم لديه. عندما أصبح صديقه المقرب كريستوفر ريف مصابًا بالشلل الرباعي في عام 1995 بعد سقوطه عن حصان، وصل ويليامز إلى المستشفى وهو يرتدي زي طبيب روسي أراد إجراء تنظير القولون على ريف. كانت تلك المرة الأولى التي يضحك فيها كريستوفر بعد الحادث الذي تعرض له. كأنّ ذلك لم يكن كافيًا. فقد تحمل روبن جميع تكاليف العلاج التي لم يغطّها التأمين. وبعد سنوات، في عام 2006، توفيت دانا زوجة ريف، وتولى ويليامز مسؤولية ابن الزوجين، ويل، الذي كان قاصرًا.
في أوقات فراغه، كان روبن يحب الاستماع إلى موسيقى الجاز، وكان من محبي فريق «سان فرانسيسكو جاينتس للبيسبول»، ومن أشد المعجبين بركوب الدراجات وألعاب الفيديو. في الواقع، بما أنّه كان يحب «النينتندو» كثيرًا، سمّى ابنته زيلدا على اسم السلسلة الأسطورية للألعاب الإلكترونية.
انطلق في السبعينيات، بأسلوب كوميدي يعتمد على الارتجال السريع الخطى، لم يتمكن أي شيء من الحد من موهبته، واصل إدهاش الناس بذكائه الحاد، وأصبح أستاذًا في التوقيت عندما بتعلق الأمر في الفكاهة.
في السينما، صنع اسمًا حقيقيًا، وكان يمتلك شيئًا أكثر بكثير من مجرد كونه مضحكًا. تألقه وفائض طاقته وتفانيه الذي لا ينتهي في صنع المرح والتفكير ومشاركة العواطف مع الناس، جعلته عظيمًا. كانت مهاراته الكوميدية مرنة للغاية إلى درجة أنه كان ينتقل من الكوميديا إلى الدراما بدون أي مشكلة.
كانت مسيرة روبن ويليام المهنية استثنائية لأنه ضخ إحساسه بالدفء والفكاهة والصدق الإنساني في الشخصيات التي صورها، ما جعله رمزًا في صناعة السينما أثّر على حياة أجيال عديدة. من خلال روح الدعابة الخالدة والشخصيات المرتبطة به.
مثّل في أفلام يمكن للآباء الاستمتاع بها مع أطفالهم، فَسدَّ الفجوات بين الأجيال. أيقونة محبوبة إلى الأبد، ومصدر ضحك إلى الأبد، بالإضافة إلى بطل لطيف الكلام. وقبل أي شيء، فإن التراث الدائم الذي اشتهر به يذكرنا أنه من خلال الفكاهة والكرم وكذلك العلاقات الدافئة مع الآخرين، يمكننا تحويل العالم إلى مكان أفضل مما هو عليه اليوم.