خطف حضور النجم جوني ديب في فعاليات الدورة الثالثة لمهرجان “البحر الأحمر” السينمائي في مدينة جدة الأنظار، وكانت لحظة فريدة تعكس روحه الفنية اللافتة، إذ يتميز ديب بطابعه السينمائي الفريد الذي صنع من اسمه علامة مميزة في تاريخ السينما.
وزار الفنان العالمي المملكة العربية السعودية، وأتاح فرصة لقائه محبي وزوار المهرجان ومشاهدة أحدث أعماله، وهو فيلم “جان دو باري” (العمل الذي افتتح به مهرجان “كان” السينمائي لهذا العام) في عرضه الأول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وقد أتيحت لنا في “فاصلة” فرصة لقائه، وإجراء حوار ثري مع أحد أهم نجوم هوليوود في العقود الماضية.
وقدّمت كلمات جوني ديب أملاً وإلهاماً وزرعاً للثقة في نفوس الشباب الذين لا يعرفون بعد ما يريدون أن يكونوا لكنهم يحبون خوض تجارب مختلفة، وهذا هو المستقبل، بل هدف المهرجان الأساسي.
تحدث ديب في البداية عن مشاركته في مهرجان “البحر الأحمر” السينمائي، وقال: “أظن أن هذا من الرائع حقاً، ولعل أكثر ما لاحظته حتى الآن في المرات القليلة التي زرت فيها المملكة العربية السعودية هو الضيافة الرائعة، وأعتقد أيضًا بأن هذا المهرجان يقدم رسالة لصنّاع الأفلام، سواء أكانوا شبّاناً أم كباراً”.
وتابع: “أعتقد بأن ما يحدث هنا في السعودية فيما يتعلق بالرؤى الفنية المختلفة، والفن والسينما، كل شيء، يفتح الأبواب ويقدم فرصًا أكثر للجميع، وهذا أمر جدير بالذكر”.
ازدهار ثقافة الشباب السعودي
وأبدى الفنان الأمريكي رأيه في التغيّرات الحاصلة في المملكة العربية السعودية، من ازدهار ثقافي وفني: “ثقافة الشباب هنا تزدهر بشكل جميل. إنها ثقافة مثيرة للاهتمام. أصبحت المملكة العربية السعودية وجهة زيارة يحلم بها المرء كما يحلم بالذهاب إلى نيويورك أو لوس أنجلوس، فالمملكة أصبحت تفتح الأبواب للمهرجانات الرائعة، مثل “البحر الأحمر” وأيضًا مهرجان الموسيقا (MDL Beast).
مهرجان “MDL Beast” نزَع الستار!
وروى لنا الفنان العالمي جوني ديب تجربته مع مهرجان “MDL Beast” الذي أقيم لأول مرة في السعودية العام الماضي، وقال: “كنت هنا في العام الماضي لحضور “MDL Beast”، وكان الأمر كما لو أنه تم نزع ستارة عن عيني؛ لأنك لا تعرف ماذا تتوقع. ولكني رأيت الناس وهم يستمتعون بحرية، الآلاف والآلاف منهم على خشبة مسرح رائعة، بجهود جبارة وعناية فائقة تم وضعها في هذا المهرجان. هذا هو بالضبط ما أشعر به مع هذا المهرجان، وأعلم أنه قبل عدة سنوات لم تكن هناك مهرجانات كهذه هنا؛ فالفرص المتاحة الآن للشباب السعودي رائعة”.
السعودية بلد جميل في طياته غموض مثير
وفي حديثه عن تجربة تصوير فيلم في السعودية قال: “فكرة تصوير فيلم هنا مثيرة، السعودية بلد جميل جداً يحمل في طياته غموضاً كبيراً. وفيها الكثير من المناظر الجميلة والمبهرة بصريًا، هذا أمر مثير للاهتمام”.
وأكد أنه سيكرر زيارته للمملكة مرة أخرى ولمهرجان “البحر الأحمر” الذي وصفه بكونه “مكاناً مميزاً جدًا” إذ قال: “سأعود هنا مرة أخرى، سآتي بسعادة لتصوير فيلم بالطبع، وسوف أكرر زيارتي ولو بعد 37 عامًا من الآن، وسأحضّر لنفسي الإفطار في وقتي المعتاد الخامسة والنصف صباحًا مع بعض القهوة”.
صنّاع الأفلام هم الفنانون وليس الممثلين
أكد جوني ديب أنه لا يفضل استخدام كلمة “فنان” لوصف نفسه؛ لأنها تنطبق أكثر على صنّاع الأفلام، ويرى أن صناع الأفلام هم الفنانون الحقيقيون. وقال: “يبدو أن الجميع هنا يفهمون ماذا يعني أن يكون الإنسان فنانًا، ويعرفون النهج الفني ولا ينحرفون عنه، علينا أن نصنف الفنانين ونضعهم في فئة معينة؛ لكي نفهم من هم وماذا يفعلون”.
لم أقتنع بتقديم لويس الخامس عشر في البداية
وتطرقنا إلى الحديث عن أحدث أعمال ديب، أي: فيلم “جان دو باري“، الذي قدم فيه دور لويس الخامس عشر، حيث أكد أنه كان رافضًا للدور في البداية؛ وذلك لاقتناعه بأن أفضل تجسيد لشخصية سيكون من قِبل فنان فرنسي”.
وقال: “عندما عُرض الدور عليّ بدت لي الفكرة غريبة، وكان ردي الأوّلي هو أنه ربما ينبغي أن يؤدي الدور ممثل فرنسي، وتحدثت مع مايوين حول ذلك، وقلت لها: أعتقد بأن خيار توظيف ممثل فرنسي لتجسيد ملك فرنسا هو الأفضل. لكنها أصرت على أن أؤدي أنا الدور؛ لذا قررت الاستمرار وحاولت أن أبحث عما يمكنني إضافته لإثراء المشاهد التمثيلية، وعما يمكنني إضافته لجعل الدور أكثر إثارة، أو تجربة شيء أو فكرة غير متداولة”.
التحدي الأصعب في شخصية لويس الخامس عشر
يوضح الممثل: “لطالما كان التحدي، التحدي الأبدي مع أداء أي دور، خاصةً إذا كانت لديك خبرة طويلة، هو: أن تُتقن جوانب الشخصية كافة لإقناع الجمهور بها؛ لأنه إذ لم يقتنع بها بعد أول ثلاث دقائق من ظهورها على الشاشة فهذه الشخصية تعدّ فاشلة”.
وتحدّث عن تحضيره لأداء الدور، مبيّناً أنه اهتم بالتعمق في أسلوب الشخصية وطريقتها في التعامل مع الآخرين، والتعامل مع شخصية لويس الخامس عشر كرجل أولاً، ثم ملك ثانياً، والتركيز على تفاصيل اختلاف سلوك مع “بلاطه الملكي” عن تعامله مع المواطنين من دولٍ أخرى، أو عنه عندما يتحدث مع السيناتور.
واستطرد: هذا ما كنت أتطلع إليه، تعلّم جوانب الحياة المختلفة التي عاشها منذ ولادته حتى أصبح ملكًا في الثانية عشر من عمره، لقد كنت أبحث عن الأشياء التي اعتقدت بأنها ستكون مثيرة في حياته؛ لأتمكن من إتقان تلك التغييرات البسيطة في شخصيته من موقف لآخر، وذروتها كانت لقاءه بجان دو باري.. لقد أردت تعلّم كيفية اجتماع كل تلك المتغيرات في شخصية واحدة”.
جوني ديب يطلب النصيحة من المواهب السعودية
أكد الممثل جوني ديب : “أنا عاجز عن تقديم نصيحة معينة للمواهب السعودية، وأظن أنهم هم من يمكنهم أن يقدموها لي. لقد جرت هنا تغييرات مهمة، والمستقبل يزدهر في المملكة، وأنا سعيد بأنني أشهد هذه اللحظة بنفسي وأعيشها”.
وأضاف: “كل ما أعتقده هو أن الفرصة حانت للسينما السعودية لتبني شكلها المستقل، والتمرد على كل ما تقوم به هوليوود الآن؛ وذلك أن الجمهور أُصيب بالملل مما تقدمه هوليوود، لقد تشبّعت الجماهير مما يُعرض في السينما الأمريكية”.
وأشار إلى أن المجال الآن أُتيح لتجديد السينما، والعثور على شبّان موهوبين ورائعين، سواء أكانوا مخرجين أم صانعي أفلام أو كتاباً حتى فنانين. لافتاً إلى التعاون مع المبدعين الأكبر سنًا الذين حملوا عبء المهنة على عواتقهم “فهم يستحقون أن يَتركوا بصمتهم وأفكارهم وتجاربهم للجيل الأصغر”.
وضرب عدداً من الأمثلة الناجحة: “لا يزال لدى ديفيد لينش الكثير ليقدمه هو وتيم بيرتون وإمير كوستوريكا، يوجد صناع أفلام رائعون في جميع أنحاء العالم”.
خطأ كبير
من التجارب السيئة التي خاضها جوني ديب وحذر بشدة تجربة الإخراج والكتابة والتمثيل: “جربت الإخراج والكتابة والتمثيل في فيلم صنعتُه منذ سنوات مضت؛ بهدف الحصول على المال وتصويره، ولكن النتيجة كانت كارثية؛ فالجمع بين التمثيل والإخراج أمر صعب للغاية”.
وأضاف: “ينبغي أن يكون الممثل متفرغاً للتصوير، وأن يدرك جيدًا جوانب شخصيته، ولا يُشترط أن يكون مُدركاً كل ما يدور في موقع التصوير، على عكس المخرج الذي يؤدي مهمة تجميع الفنانين، وعليه معرفة جميع جوانب الفيلم، وهو أمر مرهق، ويصعب على الممثل فعله”.
التمثيل باللغة الفرنسية والأفق الجديد
تحدث جوني ديب عن تمثيله لفيلم “جان دي باري” باللغة الفرنسية، وقال إنه يُتقن اللغة، ولكن التمثيل بلغة ما ليس بسهولة التحدث بها، بخاصة عند استخدام مصطلحات فريدة مثل تلك التي يستخدمها الملوك وليس العامة. ووصَف تجربته بأنها كانت تحديًا كبيرًا.
وسألته “فاصلة” عما إذا ما كان يفكر في خوض تجربة التمثيل بالفرنسية مرة أخرى فأجاب: “بالتأكيد، من يعلم، ربما بلغة أخرى أيضًا، فهذا النوع من الأعمال ملهم ومشجِّع، ولو كان بإمكاني أن أكون على هذا القدر من القرب من لويس دي فونيس لما توقفت أبدًا عن صناعة الأفلام الفرنسية”.
شخصيات أود تجسيدها
عندما سُئل عن الشخصيات التي يحلم بتقديمها على الشاشة أشار إلى أنه قد تحدث مع صديقة له، وهي ممثلة أمريكية، وأعرب عن رغبته في تقديم دورها كمقدمة برنامج التلفزيوني. وبعد يومين فقط تلقى اتصالًا منها، واستفسرت عن جدية نيته. ورد عليها بأنه يعتقد بأن الدور سيكون أفضل وأنسب للمسرح بدلاً من السينما.
وأضاف: “كان لديّ هذا الهاجس المطارد لسنوات، حيث حاولت تجسيد شخصية صديقة لي. يمكنك اعتبارها محاولة لوضع نفسي في مكان صديقتي. ولكن أشعر أن مثل هذه الشخصيات تحمل في طياتها الكثير من القصص والأفكار التي لم تُروَ”.
“مودي”.. قريبًا
كشف جوني ديب في نهاية حديثه أنه يحضر حاليًا لفيلمه الجديد “مودي”، وهو اسم اختصار لأميديو موديلياني الرسام الإيطالي الشهير، وذكرَ أنه سيكون مخرج العمل.
اقرأ أيضا: عن أفلامنا التي تمثلنا… “ناقة” نموذجا ً