كانت التسعينيات عقداً من التحول لأفلام الإثارة والحركة. بعدما هيمن أبطال هوليوود على الثمانينيات مع الكثير من التستوستيرون، جلبت التسعينيات إلى الواجهة نموذجاً آخر من أفلام الجريمة، أكثر دموية ومعاداة للبطولة. نشير هنا إلى أفلام العصابات والجريمة الثرثارة، الشخصيات القادرة على التعامل مع الإطناب بنفس رشاقة التعامل مع السلاح.
بنى المخرج كوينتين تارنتينو مهنة لامعة من خلال وضع الكثير من الإشارات للثقافة الشعبية والكوميديا والثرثرة اليومية وبعض التفاخر الفلسفي في أفواه مجرميه. كذلك فعل كاتب السيناريو ديفيد ماميت أو الاخوان كوين، الذين شحذوا فكرة «الرواية البوليسية السينمائية».
بالعودة إلى الفيلم الذي نتحدث عنه، «ذئاب» (2024، «Wolfs»)، الذي عُرض خارج المسابقة في مهرجان البندقية، والمتوافر حالياً على Apple TV، حاول المخرج جون واتس، المعروف بثلاثية «سبايدر مان» مع توم هولاند، أن يقدم فيلماً حديثاً بنكهة الثمانينيات والتسعينيات. فيلم أصدقاء أكشن كوميدي مع أثنين من أكبر نجوم هوليوود، فيه الكثير من الثرثرة والمواقف المضحكة.
الصديقان النجمان هما براد بيت وجورج كلوني، اللذان لم يتشاركا الشاشة منذ فيلم «أوشنز 13» (2007، «Ocean’s Thirteen»). والنتيجة لم تكن كما كان متوقعاً. على الرغم من الكاريزما والكيمياء بين الممثلين، فإن الفيلم لا يصمد كما ينبغي بسبب السيناريو الذي يفشل في استغلال نجميه بالكامل، أو ما كان يمكن أن يقدمه هذان «المنظّفان» لجرائم القتل.
«ذئاب» في جوهره، يتعلق بشخصين، مقتنعين بأنهما موهوبان وفريدان ولا يتكرران في مهنتهما… حتى يلتقيا. فيلم رفاق كلاسيكي، ينجح في بعض الحالات، ويصبح مضحكاً قليلاً من خلال تصادم الشخصيات. بيت وكلوني هما، شخصان متخصصان في حل المواقف المعقدة، تنظيف ساحات الجريمة في وقت قصير وبكفاءة عالية، ومن دون ترك أي أثر.
في المشهد الأول، نرى مارغريت (آمي رايان)، المدعية العامة لنيويورك، تقيم لقاء جنسياً مع شاب في جناح في فندق فاخر، خرج اللقاء عن السيطرة، لتجد مارغريت نفسها مضطرة للاتصال بكلوني لتصليح الوضع. يأتي كلوني بكل احترافية ويبدأ العمل، ولكن وصول بيت إلى نفس الجناح يعقّد الأمور. يضطر المتنافسان إلى التعاون، وتوحيد قواهما لمحاربة أو الهروب من تجار مخدرات من أصل ألباني.
تمت صناعة «ذئاب» كوسيلة لاستعراض الثنائي الرئيسي، حيث يضع بيت وكلوني في مكان ذئبين وحيدين يضطران إلى التعاون. نحن أمام علاقة معاكسة عن علاقتهما في سلسلة أفلام «اوشنز»، حيث أظهرا تواطؤاً فريداً، قريباً من فكرة الصداقة الحميمة.
في فيلم «ذئاب»، تمكن الحبكة من رؤية الثنائي كخصمين، يتنافسان على أن يكونا الأذكى، ويتبادلان نظرات الاستياء والنكات. استمراراً للجانب الفكاهي، نرى بيت وكلوني يستعينان بذخيرتهما الكوميدية، التي صقلاها على مدار عقود من حياتهما المهنية.
من الواضح أنهما استمتعا بالتصوير، لكن بخلاف النكات حول تآكل مظهرهما ورشاقتهما، لا شيء آخر تحت هذا الغلاف الفاخر، خصوصاً أنّ كل شيء تقريباً يتمتع بتلك اللمسة القديمة، هناك نكات حول ما إذا كان أحدهما مارس الجنس مع امرأة والآخر لم يفعل، وفي أعماق كل شيء تفوح رائحة التستوستيرون، كأنه فيلم من عقد آخر، على الرغم من أن جون واتس يزين كل شيء بفيلم إثارة أكشن حديث.
تلك النكات، وتلك السخرية الصغيرة، وتلك الشريرة التي بدت منبوذة وتظهر هنا من دون أن يوضح أبداً ما إذا كان يضحك عليها أم معها. وبعيداً عن الكوميديا والاثارة والاكشن، فإن «ذئاب» جزء من نوع فرعي سينمائي ذي إحداثيات جغرافية محددة للغاية، وهي كوميديا الليل في نيويورك.
هذه أفلام تدور أحداثها خلال يوم واحد، وخاصة في الليل، حيث تتراكم العثرات والتحالفات وسوء الفهم بين أبطالها بين شوارع وأزقة مدينة ناطحات السحاب. يزور الفيلم مجموعة واسعة من المواقع – من جناح فاخر في مانهاتن إلى مستودع رث على مشارف المدينة – مستغلاً خيال نيويورك باحترام.
من النادر جداً أن نرى فيلماً يعتمد بوقاحة على سحر الشخصيتين الرئيسيتين والكيمياء بينهما. ومن غير الضروري تقريباً تسمية الشخصيتين الرئيسيتين بشخصيتين، نظراً لأنهما لا تعانيان من أي عيوب تقريباً، وبالتالي لا توجد لديهما أي فرصة تقريباً للتطور، باستثناء كونهما ذئبين منفردين، ثم يصبحان أقل وحدة في النهاية.
بالإضافة إلى ذلك، لا يوجد حتى اسم للبطلين. يكمل أداء كلوني وبيت بعضهما البعض بطريقة ما، وإذا كان هناك شيء واحد يميز «ذئاب»، فهو أنه كتالوج مثالي للنوايا، بنتائج قليلة. كل شيء منظم بدقة للتناوب بين اللحظات المضحكة إلى حد ما ولحظات الجنون.
المشكلة أنّ كل شيء يمكن التنبؤ به وحله مع القليل من التوتر بحيث إما أن تكون من المعجبين وتسامح على كل شيء، أو لا تكون وتقضي الفيلم تفكر في شيء آخر. ولكن هناك شيء في «ذئاب»، يجعلك تريد مشاهدته، تستمتع به بقدر ما هو عابر وسطحي وخفيف. ومع ذلك، فإنه يقدم بالضبط ما نتوقعه منه: ترفيه مبهج. ولكن في النهاية هو سريع النسيان وربما يضيع في طوفان المحتوى المتدفق عبر الانترنت.
اقرأ أبضا: أدريان برودي: بعد الأوسكار قيل لي: «لا تتغيّر ابقَ حقيقياً»