تكتسب المشاركة في المهرجانات السينمائية الكبرى، خصوصًا مهرجانات الفئة الأولى، أو فئة «أ» حسب تصنيف الاتحاد الدولي لجمعيات منتجي الأفلام، أهمية كبيرة بالنسبة لصناع الأفلام، لكن هناك فارق كبير بين التواجد في الأقسام والبرامج المختلفة التي تعتمد المشاركة فيها على انتقاء المهرجان نفسه لفيلم ما، وغيرها من المشاركات المدفوعة الثمن، التي تعتمد على تنظيم عروض خاصة للأفلام على هامش المهرجان أو ضمن أنشطة السوق المصاحبة لأي مهرجان، وهو أمر يلجأ إليه منتجي الأفلام لترويج منتجاتهم السينمائية، لكننا نشهد أحيانًا في مجتمعاتنا العربية عملية تضليل واسعة النطاق، من خلال الترويج الإعلامي لكون تلك الأعمال المعروضة على الهامش إنما تُعرض في سياق مسابقات المهرجان بغرض إضفاء جودة وهمية على تلك الأعمال، إلى جانب خداع وسائل الإعلام لتتورط في ترويج مجاني لتلك الأعمال مستغلين التغطية المكثفة التي تحظى بها الأفلام المشاركة في تلك المهرجانات الكبرى.
ومع الزيادة الملحوظة في معدلات اختيار الأفلام السعودية في المهرجانات الكبرى، عبر حضور متميز وحقيقي في البرامج الرسمية؛ ظهر عدد من المنتجين وصناع السينما الذين سعوا لإلصاق أنفسهم بهذا الزخم عبر الترويج الكاذب لمشاركاتهم في المساحات المدفوعة، باعتبارها مشاركة رسمية في تلك المهرجانات. ولأن الصحافة تعني بوظيفة تصحيح المعلومات الخاطئة وتوثيق المعلومات الصحيحة، بات علينا أن نوضح ونحصر المشاركات السعودية الرسمية في المهرجانات السينمائية الكبرى حول العالم، وتحديدًا في المهرجانات الثلاثة الكبرى «برلين»، «كان» و «البندقية» وغيرها من المهرجانات الأخرى ككارلوفي فاري أو لوكارنو و تورتنو منذ 2012 وحتى اليوم.
وجدة (2012)
بدأت السينما السعودية رحلتها للعالمية عام 2012 مع فيلم «وجدة» للمخرجة هيفاء المنصور، والذي عُرض لأول مرة ضمن مسابقة آفاق في مهرجان البندقية السينمائي في دورته التاسعة والستين، ويعتبر باكورة الأعمال المهمة في تاريخ السينما السعودية.
«وجدة» هو أول فيلم سعودي يُصور بالكامل داخل المملكة العربية السعودية، وأول فيلم يتم ترشيحه لتمثيل السعودية في جائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية.
يتناول الفيلم قصة فتاة سعودية تدعى وجدة تعيش في الرياض وتحلم بامتلاك دراجة هوائية، وهو أمر غير مألوف للفتيات في مجتمعها. تطرق الفيلم إلى قضايا اجتماعية تتعلق بالمرأة وحقوقها ضمن سياق الحياة السعودية التقليدية، الفيلم من بطولة ريم عبدالله ووعد محمد وعهد كامل.
بركة يقابل بركة (2016)
في عام 2016، شارك فيلم «بركة يقابل بركة» للمخرج محمود صباغ في مهرجان برلين السينمائي في دورته 66 ضمن عروض قسم «المنتدى»، ولاقى إشادة دولية وقت عرضه بفضل توجهه الجريء والساخر حول الحياة الاجتماعية في المملكة.
«بركة يقابل بركة» يُعدّ الفيلم من أوائل الأفلام الكوميدية الرومانسية في المملكة، إذ يحكي قصة «بركة»، الموظف البسيط الذي يلتقي بفتاة سعودية تُدعى «بركة» أيضًا وتعمل كمدونة على الإنترنت وتعيش حياة مختلفة تمامًا عنه.
الفيلم عرض أيضا في مهرجان تورتنو ذات العام كما فاز أيضًا بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان القاهرة السينمائي. و كان خيار المملكة للترشح الرسمي لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية عام 2017.
فيلم بركة يقابل بركة من بطولة هشام فقيه، فاطمة البنوي، سامي حنفي، عبد المجيد الرهيدي وخيرية نظمي. وكتبه وأخرجه محمود صبّاغ.
المرشحة المثالية (2019)
عام 2019 كان عامًا حاسمًا، حيث شاركت السعودية بفيلمين في مهرجان البندقية السينمائي. الأول كان «المرشحة المثالية» لهيفاء المنصور، والذي اختير للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان، ليكون بذلك أول فيلم سعودي ينافس على الأسد الذهبي.
تدور أحداث الفيلم حول قصة الطبيبة مريم، الشابة التي تقرر الترشح لمنصب في المجلس البلدي في محاولة لتحسين وضع الطريق المؤدي إلى المستشفى حيث تعمل. من خلال هذه الرحلة، يستكشف الفيلم التحديات التي تواجه المرأة السعودية في المجتمع.
الفيلم من بطولة ميلا الزهراني، ونورا العوض، ومن تأليف هيفاء المنصور.
سيدة البحر (2019)
في نفس الدورة شارك فيلم «سيدة البحر» للمخرجة شهد أمين ضمن مسابقة أسبوع النقاد، وفاز بجائزة نادي فيرونا السينمائي للفيلم الأكثر إبداعًا. وقدم قصة خيالية عن التقاليد المجتمعية وتأثيرها على النساء.
تدور أحداثه في مجتمع خيالي تقليدي يعيش بالقرب من البحر، حيث تُعتبر الفتيات قربانًا يتم التضحية به للبحر عند وصولهن لسن البلوغ. بطلة الفيلم، فتاة صغيرة اسمها حياة ترفض مصيرها وتبدأ في التمرد على التقاليد المجتمعية.
والفيلم من بطولة بسيمة حجّار وأشرف برهوم ويعقوب الفرحان وفاطمة الطائي.
آخر زيارة (2019)
في عام 2019 ، لفت فيلم «آخر زيارة» لعبد المحسن الضبعان الانتباه في مهرجان «كارلوفي فاري» السينمائي في دورته 54، حيث قُدم كأول فيلم سعودي يشارك في مسابقة «شرق الغرب» وهي إحدى المسابقات الرسمية في المهرجان، وكان أول فيلم عربي يُعرض في «كارلوفي فاري» بعد غياب طال نحو 48 عامًا للمشاركات العربية.
فيلم «آخر زيارة» هو التجربة الروائية الطويلة الأولى للمخرج السعودي محسن الضبعان، وكتبه معه فهد الإسطاء، وتدور أحداثه حول عائلة سعودية تلتقي بعد سنوات طويلة بسبب وفاة أحد أفرادها. يعكس الفيلم التغيرات الثقافية والاجتماعية في السعودية في عصر التغيير، من خلال رسم أثر تلك التغييرات في العلاقات الأسرية والصراعات الشخصية من خلال أحداث مليئة بالعواطف والتوتر.
والفيلم من بطولة الفنان أسامة القس، وعبد الله الفهاد، ومشاركة فهد الغريري، ومساعد خالد، وغازي حمد، وشجاع نشاط. وحظي بدعم من «مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)».
2023…عام تورنتو
كان عام 2023 بحق هو عام التألق الفني للسينما السعودية، إذ شهد موسم المهرجانات الكبرى بداية التواجد السعودي اللافت على خارطة تلك المهرجانات بشكل بدا فيه تأثير الجهد المنظم للنهضة بصناعة السينما في المملكة، فيما كان المشاركات السابقة التي أشرنا إليها – على تميزها- نتاج جهد فردي منعزل من أصحابها، ولم تأت في جو من الدعم المادي والفني المنظم على عكس الأجواء التي أحاطت بمشاركات العام 2023.
وشهدت الدورة 48 لمهرجان تورنتو السينمائي الدولي – الدورة الماضية- مشاركة سعودية لافتة بعدة أفلام شاركت من خلال قسم «اكتشاف discovery» الذي انطلق منه كبار المخرجين في العالم.
الفيلم الأول هو «هجّان» للمخرج أبو بكر شوقي، وكان العرض الأول له ضمن قسم «ديسكفري». وتدور أحداثه حول قصة الصبي «مطر» الذي يفقد أخاه غانم في سباق الهجن ويحاول الحفاظ على ناقته «حفيرة» المهددة بالقتل، وتم تصويره في صحراء المملكة الفسيحة.
الفيلم من كتابة عمر شامة ومفرج المجفل وأبو بكر شوقي. ومن بطولة عبد المحسن النمر، عمر العطاوي، الشيماء طيب، عزام النمر، تولين بربود وإبراهيم الحساوي، وهو أحد إنتاجات «إثراء».
أما الفيلم الثاني فهو «مندوب الليل» للمخرج علي الكلثمي، وتدور أحداثه في قالب من الكوميديا السوداء حول قصة سائق تطبيق توصيل في مدينة الرياض، في محاولة يائسة لكسب المزيد من المال لتغطية نفقات والده الطبّية ويتورّط في مغامرات غير مشروعة لتحقيق ذلك.
يجدر التذكير هنا بأن «مندوب الليل» حصل على جائزة أفضل فيلم روائي طويل، في مهرجان تورينو السينمائي الدولي في إيطاليا عام 2023، وهو من بطولة محمد الطويان، سارة طيبة، محمد الدوخي، هاجر الشمري، عبد الله أحمد، محمد القراوي.
وأخيرًا فيلم «ناقة» للمخرج مشعل الجاسر. ويروي قصة شابة تقطّعت بها السبل في الصحراء للعودة إلى منزلها قبل فترة حظر التجوّل، تحت تهديد العقاب الشديد من والدها الصارم.
يذكر أن فيلم «ناقة» من بطولة أضواء بدر وسعد المجيول وآخرين، ومن تأليف وإخراج الموهبة السعودية مشعل الجاسر، ومن إنتاج مشترك بين «استوديوهات تلفاز11» و«موفيتاز» واستوديوهات «مناسب».
نورة (2024)
أخيرًا في 2024، ولأول مرة في تاريخ السينما السعودية، شارك الفيلم السعودي «نورة» للمخرج توفيق الزايدي، في الدورة 77 من مهرجان كان السينمائي الدولي، وحصل على تنويه خاص من لجنة تحكيم مسابقة «نظرة ما».
يضاف إلى هذا أن «نورة» هو أول فيلم سعودي طويل يتم تصويره بالكامل في منطقة العلا، وتدور أحداثه في تسعينيات القرن الماضي في إحدى القرى البعيدة بالمملكة، ويروي قصة «نورة» الفتاة البسيطة الطموحة التي تعيش في تلك القرية البعيدة، وتتغير حياتها بوصول المعلم «نادر» الشغوف بالفن، والذي يجد إلهامه فيها.
الفيلم بطولة يعقوب الفرحان، وماريا بحراوي، وعبد الله السدحان، وكتابة وإخراج توفيق الزايدي.
هذه هي كل الأفلام السعودية التي شاركت فعلاً حتى الآن في المسابقات الرسمية في المهرجانات العالمية الكبرى، باختيار من تلك المهرجانات، بسبب من مستواها الفني أو لفرادتها في وقت سبق نهضة السينما السعودية. وعليه عزيزي القارئ وعزيزتي القارئة؛ لو سمعت بأي فيلم آخر شارك في هذا المهرجان أو ذاك خلال السنين السابقة، ليس عليك إلى الاحتفاظ بهذه القائمة في مفضلات متصفحك، والعودة إليها لتعرف إن كان هناك من يخدعك.
اقرأ أيضا: استطلاع «المركز السعودي» حول المنصات الرقمية: «شاهد» في الصدارة.. و«نتفليكس» تتراجع