فاصلة

حوارات

المخرج ماهر الغانم يحكي لنا ذكريات أبيه عن أول فيلم سينمائي سعودي

Reading Time: 5 minutes

قبل عام واحد، حقق المخرج السعودي المخضرم ماهر الغانم حلمًا سعى له سنوات طويلة، لإقامة أول متحف في المملكة العربية السعودية، يتجاوز فكرة المقتنيات والمجموعات الخاصة إلى العرض المتحفي العام، ليعرض لزواره ما يزيد على نصف مليون قطعة، أنفق الغانم السنين والمال في جمعها وتأريخها لتعكس تحولات المجتمع والثقافة السعودية وتقاطعاتها مع دول الجوار خلال الأعوام المئة الأخيرة.  

وبينما يستعد الغانم للاحتفال بمرور عام على افتتاح متحفه: “الخط الحضاري” في القطيف، أخذنا معه الحوار في فاصلة إلى جانب آخر استعاد معنا فيه ذكريات والده الفنان الراحل حسن الغانم عن كواليس أول فيلم سعودي. 

ماهر الغانم

ماهر الغانم هو فنان متعدد المواهب، تألق في مجالات فنية عدة، منها المسرح والسينما والتلفزيون. منذ طفولته وهو محاط بالفنون ومهتم بها، والسبب يرجع إلى والده الفنان السعودي الراحل حسن الغانم، الذي يؤرَّخ له بأنه أول ممثل سعودي شارك في فيلم داخل السعودية، وهو فيلم “الذباب” الذي أنتج في 1950 عبر شركة البترول العربية السعودية «أرامكو».

ولأثره الكبير في الفن السعودي وفي حياة ابنه الذي غدا فنانًا ونجمًا تلفزيونيًا ومسرحيًا، تحدثنا مع الفنان ماهر الغانم عن والده الراحل وأثره فيه وفي الفن السعودي.

كيف تشكلت علاقة الفنان الراحل حسن الغانم بفن التمثيل؟ وكيف قاده الطريق لفيلم “الذباب”؟ 

الوالد حسن علي الغانم كان من أهالي القطيف، ولكنه عاش أغلب طفولته خارج المملكة إذ هيأت له شركة “أرامكو” الدراسة بالخارج، والتحق بالمجال الطبي وحمل شهادة الدكتوراه في الطب الوقائي «الأمراض المعدية» وماجستير في التثقيف الصحي إضافة لبكالوريوس في العلوم الاجتماعية، وبدأ العمل موظفًا في شركة «أرامكو» سنة 1944 قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية بسنة واحدة. ولعبت الصدفة دورًا في أن يصبح ممثلًا على شاشة السينما، إذ كان عمله في البداية مع طاقم الفيلم نابعًا من إجادته للإنجليزية ما جعله على رأس قائمة اختيارات الشركة لقدرته على التواصل مع المتحدثين بغير العربية وتوليه عملية الترجمة بين طاقم العمل.

ما هي ظروف إنتاج فيلم “الذباب”؟

الفيلم تم إنتاجه بأمر من الملك عبد العزيز -رحمة الله عليه- إيمانًا بضرورة التوعية والتثقيف الصحي حول الأمراض المعدية والمخاطر الصحية لانتشار الذباب في البلاد والتي أودت بحياة العديد من كبار السن والأطفال في السعودية في ذلك الوقت. وتمت ترجمة الفيلم إلى ثمان لغات ونشره في العالم.

ماذا حكى لك والدك من معلومات عن الفيلم؟ 

الفيلم كان يجمع بين الوثائقية والدراما، واستغرق تصويره نحو شهرين ونصف الشهر بقيادة فريق فني أمريكي من “هوليوود» استقدمتهم أرامكو لضمان أن يخرج الفيلم بأفضل جودة وإنتاج عالي الدقة. 

ونفذ الفيلم بين القطيف والأحساء لتصوير البيئة السعودية الشعبية الطبيعية. وكان هناك استغلال لتلك البيئات المحلية في التصوير بشكل مقصود وجيد، فمثلًا استخدم فريق العمل نموذجًا لمستوصف صحي عادي موجود في أحد المنازل ووضعوا عليه لوحة ليبدو كمستشفى، نظرًا لعدم وجود مستشفيات آنذاك سوى في «أرامكو». 

أما الإعلان عن الفيلم وحشد الناس لمشاهدته؛ فكانت تحديًا آخر استلزم الكثير من الابتكار، فمثلا، أحضر فريق العمل مولدًا كهربائيًا وشاشة ومشغل سينما، وداروا به في الحارات للإعلان عن عروض الفيلم في الساحات. وقدم الأمير عبد الله الفيصل، ابن الملك فيصل، مقدمة في بداية الفيلم، وكانت مدة الفيلم تقريبًا نصف ساعة. وفي ذلك الوقت، كان الملك سعود وليًّا للعهد، رحمة الله عليهم جميعًا.

ما هي صعوبات التصوير في تلك الفترة كما حكى عنها الوالد؟

حكى الوالد أن أهالي المنطقة من الشبان كانوا يتجمعون خلال فترة التصوير دون العلم بما يجري، وكانوا يضحكون ويرددون عبارات مثل “لا يضحكون عليكم” لأن الأمر بالنسبة لهم كان غريبًا جدًا.

وكيف كان يتذكر استقبال الناس للفيلم وردود الأفعال عليه في السعودية والخارج؟ 

الحقيقة أن «أرامكو» كان لها تأثير كبير، واستطاعت أن تستغل هذا التأثير في توفير كل الإمكانيات لإنجاح الفيلم على مستوى الجودة والتأثير وتحقيق الأهداف المجتمعية منه، فكان أول عمل يتميز بالتكامل والأجهزة والطاقم الفني، مما جعله شيئًا مثيرًا للاهتمام بالنسبة للمشاهدين الذين كانوا يطلبون دائمًا إعادة عرض الفيلم. وربما كان هذا النجاح دافعًا بعد ذلك لما قامت به «أرامكو» من إنتاج أفلام مختلفة تتنوع في المواضيع.

وما هو أثر الفيلم على المنطقة الشرقية التي تناولها وتم تصويره فيها؟

انعكس الفيلم إيجابيًا لدى الكثير من أهالي المنطقة، وتلقوا التوعية بترحيب، حيث كان كل بيت تقريبًا يربي الحيوانات على مقربة من مكان السكن، وكانت هذه الحيوانات تجذب الذباب وتسبب الأمراض. وكان الذباب واحدًا من المسببات الرئيسية في انتشار العمى والعديد من الأمراض منها الملاريا.

وكيف أثّر ذلك النجاح في مسيرة والدك حسن الغانم؟

هذا الأثر الواضح جعله ينشط بشكل أكبر في مجال التوعية عبر وسائل التواصل الجماهيرية، فنشط في العمل في تلفزيون «أرامكو» لمدة 14 عامًا، كان مسؤولًا خلالها عن إعداد وتقديم وتمثيل البرامج. كما كان مسؤولًا عن برنامج «صحتك» منذ افتتاح القناة الثالثة على تلفزيون «أرامكو» بعدها عرض هذا البرنامج على قناة التلفزيون السعودي من محطة الدمام لمدة ثلاث سنوات، ومن ثم قرر السفر للخارج وإكمال دراسته في مجالات العلوم الاجتماعية إلى جانب تخصصه في الطب الوقائي.

حدثنا عن وضع الفنون في تلك الفترة

لم يكن وضعًا جيدًا. أخبرني الوالد أنه في أيام الملك عبد العزيز -رحمة الله عليه-، كانت توجد مسارح في مكة، ولكنها كانت بسيطة وخبرتها محدودة. وتم رفض المسرحيات بسبب اختلاف التيارات في تلك الفترة، على الرغم من أن المسرحيات في ذلك الوقت كانت تتحدث عن حقبة التاريخ الإسلامي.

ماهر الغانم

هل ترى أن والدك حظي بالتقدير الذي يستحقه كأول ممثل سعودي في أول فيلم سعودي؟ 

أفخر بوالدي لهذه الريادة المهمة التي نسعى للاستمرار فيها تحت إشراف الملك وولي عهده أطال الله في عمريهما. وتم تكريم الوالد في «مهرجان أفلام السعودية» بالدورة الأولى عام 2008 بصفته أول سينمائي سعودي. وهذا إنجاز مهم، حتى لو كان بشكل خجول، ولكن الذكرى ستظل محفورة في التاريخ.

ما هي تطلعاتك للسينما السعودية في المستقبل وبم تنصح صناع السينما الجُدد؟

السينما في المملكة العربية السعودية تشهد طفرة كبيرة فعلًا، من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى «مهرجان أفلام السعودية»، وكلاهما له باع محمود في دعم الشباب والشابات بالملايين لتقديم أعمالهم، كما يوفر لهم التشجيع والاهتمام والمتابعة.

لذلك، فإن الاهتمام بالتطوير الشخصي والمهني من خلال حضور الورش والدورات والقراءة ضروري لتحقيق النجاح. من المهم أيضًا التركيز على جودة الأعمال واختيار السيناريوهات بعناية، وتجنب التقليد بشكل غير واعي. فالمنافسة في هذا المجال أصبحت صعبة، والعالم يتطلع إلى المملكة في مختلف المجالات. لذلك، يجب أن نعمل بجد ونركز على جودة أعمالنا لتعكس البيئة والروح السعودية. إن البدايات هي الأساس، ولذلك يجب العمل بتفاني لتحقيق النجاح.

اقرأ أيضا: «نورة».. السعودية أنارت كان للمرة الأولى

شارك هذا المنشور