أعترف أني أعاني من تنمر أبنائي، والسبب هو الأفلام السعودية التي أصر على حضورها. أحيانًا تتعاطف ابنتي الوحيدة معي وتشاركني، بعدما تكوَّن لديها فضول مدفوع بما يُكتب عن السينما السعودية في منصة إكس (تويتر سابقًا)، وأقل من ذلك بسبب حواراتنا على طاولة الطعام أو في طريق السفر والتي تحضر فيها دائمًا السينما السعودية. غير ذلك سيكون ممر السينما الطويل هو آخر عهدي بأبنائي، يذهبون هم إلى النجوم اللامعين عالميًا وعربيًا، وأنا إلى تجربة السينما السعودية التي يؤرقني بشكل شخصي التفكير في مستقبلها!
هذا هو السبب الأول الذي جعلني أفكر في مشكلة انتشار السينما السعودية ونجاحها، وهو ما يبدو من أنها لا تزال بحاجة إلى التواصل مع الأجيال الجديدة. قبل ذلك كنت أختار لأبنائي الأفلام العالمية التي يتحقق فيها التشويق والإثارة والتسلية، والسبب الآخر الذي دفعني إلى التفكير في هذه المسألة هو أن هناك لاعب جديد دخل إلى ملعب صناعة الأفلام السعودية، هذا اللاعب هو هيئة الترفيه.
إن دخول هيئة الترفيه على خط صناعة السينما المحلية «يفرق كثير» على رأي نجاة الصغيرة، ليس بسبب الدعم المُتوقع فقط؛ بل وبسبب العقلية التي تدار بها الأمور في هيئة الترفيه، والمكتسبات التي حققتها خلال فترة وجيزة. والمراقب الصادق مع نفسه يعرف أن الترفيه في السعودية أسهم في تغيير طريقة تفكير الشباب، وغيَّر من واقع يومياتهم. هذا التغيُّر لم يكن ليحصل لولا وجود شيء ملموس على أرض الواقع، وليس مجرد تنظيرات وأرقام مضللة، لهذا أتوقع أن العمل على صناعة سينما سعودية بإدارة هيئة الترفيه سيأخذ بيد السينما إلى التشويق والإمتاع، وبالتالي إلى تحقيق الأرباح التي سترتفع بالصناعة وتجعلها تجتذب رؤوس الأموال الجادة، وربما تجعل أبنائي يتوقفون عن الهروب مني في ذلك المكان؛ أعني مُوزع صالات السينما.
أنا لا أحاول هنا التلميح إلى الدور الذي تقوم به وزارة الثقافة، ممثلة في هيئة الأفلام، فبإمكاني التصريح بوجهة نظري وبشكل مباشر وواضح، فأنا أعتقد أن كثيرًا من الجهود التي تقوم بها هيئة الأفلام رصينة وحسنة النية، وتقف وراءها رؤية ثقافية بعيدة المدى، لكنها مع ذلك محتاجة إلى مراجعة حقيقية. على سبيل المثال نحن لا ننتظر منها أن تقدم لنا عبر منصاتها مخرجين يتحدثون عن ألفريد هيتشكوك وكريستوفر نولان وأكيرا كوروساوا، فهذا محرج لهؤلاء المخرجين في المقام الأول، لأن المطلوب منهم بعد ذلك سيكون في مستوى أحاديثهم، في المقابل نريد منها المشاركة الفاعلة في صناعة نجوم سينما على القياسات العالمية، لا على مقاييس المهرجانات، فالهيئة هيئة أفلام وليست هيئة مهرجانات فقط.
أقول هذا الكلام وأنا أشعر بالاستياء لحال كثير من الممثلين والممثلات نجوم هذه المرحلة، الذين يعانون من ضبابية وضعهم داخل الصناعة، فالكثير منهم لا يستطيع تحديد أجره خشية ضياع الفرص، والسبب في ذلك عائد إلى غياب التشريعات التي أظن أو أفترض أنها داخلة في صميم مسؤوليات هيئة الأفلام. وبالتالي لا يعرف النجم طبيعة التعاملات القانونية فيما يخص مهنته. وفي كثير من الأحيان يكون تقديره أقل من المطلوب، وليس أدل على ذلك من حجب الجائزة الثانية والثالثة في مجال الأفلام في الدورة الأولى من مبادرة الجوائز الثقافية الوطنية، أو ذهاب الجائزة إلى منتج في دورتها الثانية، أو الاكتفاء بفنان واحد في دورتها الثالثة، فالنجم السينمائي يستحق أكثر من ذلك بكثير، فهو من يحمل الصناعة على كتفيه ويقدمها للجمهور، ويضحي بحياته الاجتماعية، وربما يخسر عمله بسبب هذه النجومية المنقوصة.
يستحق هذا النجم أن يتم تدريبه من الناحية المهنية، لكي يدرك ما فاته على المستوى الأكاديمي، وأن يعرف حقوقه المادية قبل ذلك، وأن يتم تصديره كواجهة إعلامية، مع العلم أن ذلك من شأنه أن يعود بالفائدة على شباك التذاكر، الأمل الوحيد لاستدامة مشروع السينما السعودية.
وهذه المشكلات التي يمر بها نجوم السينما السعودية كونت تناقضات عجيبة، فالبعض منهم أصبح ناشطًا ثقافيًا، نراه في البرامج والمنصات والفعاليات أكثر من صالات العرض السينمائي حيث يمكنه أن يشاهد ويتعلم. والبعض منهم رضخ لمطالب سوق الإنتاج التلفزيوني، فيما تحول البعض الآخر إلى الإخراج والإنتاج، ولا أظن أنهم يفعلون ذلك هربًا من النجومية بقدر رغبتهم في توفير دخول إضافية تساعدهم على تخطي مصاعب الحياة، أو توهمهم بالأدوار المهنية التي تؤهلهم لمكاسب وظيفية، وأنا لا أتظلم هنا بالنيابة عنهم، أو أتجنى عليهم، بل أقول ما يرتاح إليه ضميري تجاه ما أراه من أحوالهم.
وبتواجد هيئة الترفيه في مجال صناعة الفيلم السعودي، أجد أن احتياجات النجم السينمائي السعودي ممكن أن تتحقق، وهذا ليس استشرافًا بالمستقبل، بل قراءة للواقع. لننظر بإمعان إلى واقع الفنانين في مجال الغناء والطرب، الشباب منهم على وجه الخصوص، إنهم نجوم المرحلة، متواجدون بجانب ألمع نجوم الغناء العربي، ويعزف خلفهم أهم الموسيقيين، ويتوافد الشباب على حضور حفلاتهم بانتظام، على أمل أن تنتقل هذه الحالة الصحية إلى نجوم الأفلام السعودية.
والأمر لا أراه متوقفًا على الدعم السخي، بل على طريقة التفكير في هيئة الترفيه ممثلة في معالي المستشار تركي آل الشيخ، والمبرمجة على معطيات الواقع، والرغبة الحقيقية في مواكبة تطلعات الشباب، وقد أحسنت هيئة الترفيه بجدارة في استثمار هذه التطلعات.
لعل من يقرأ هذه السطور يظن أن في كلامي رغبة في إغفال البعد الفني والثقافي للسينما، والذي يقود إلى المهرجانات بطبيعة الحال، أو الذهاب بالسينما التجارية إلى مناطق الإسفاف؛ لكن المقصود على العكس تمامًا، فما أود قوله هنا هو أن الرهان على أفلام المهرجانات في هذه اللحظة تحديدًا رهان خطير، وفيه هدر للفرصة الذهبية، فما نحن في أمس الحاجة إليه الآن هو مصالحة الجمهور المحلي – من الشباب على وجه الخصوص- مع الأفلام السعودية، وشراء ودهم بإضافة المواصفات العالمية المعروفة في مجال الفن والسينما، ومن أهمها التشويق والإثارة، التي لن تتحقق إلا من خلال وجود نجوم سينما حقيقيين، وليس هناك حاجة إلى اختراع العجلة، ولا إلى عسف الواقع.
من هنا استبشرت بهيئة الترفيه، لأن تجاربها على أرض الواقع حققت نتائج ملموسة، وغيرت في كثير من المفاهيم، وحسنت بالفعل من جودة حياة الشباب، وهذه الأخيرة إحدى أجل مستهدفات الرؤية كما نعلم، ومن الواضح جدًا أن الرهان على البعد الترفيهي للسينما رهان صحيح تمامًا، والأيام -كما يُقال- حبلى.
اقرأ أبضا: هل يُمكن أن تتوقف السينما السعودية قريبًا؟