فاصلة

حوارات

أسماء المدير: الوثائقي لا يعني أن أُجلِس شخصيات أفلامي على الكراسي لأطرح عليهم الأسئلة!

Reading Time: 4 minutes

تنطلق المخرجة المغربية أسماء المدير في تجاربها السينمائية المختلفة إلى العالمية، من غوصها على المحلي. وهي ذات بصمة واضحة في صناعة السينما العربية وليس المغربية فحسب، على الرغم من حداثة عمرها الفني.

اختيرت تجربة المدير الوثائقية الأخيرة، «كذب أبيض»، لتمثل المغرب في الأوسكار بعدما حصدت جائزتين في مهرجان كانّ السينمائي الدولي. ينطوي هذا الفيلم الذي استمر العمل عليه نحو عقد كامل، على تفاصيل عدة كانت في صلب الحوار الذي أجريناه مع المخرجة.

أسماء المدير

*قدمتِ أفلاما قصيرة ووثائقية قبل فيلم «كذب أبيض»، وهو مشروع أمضيت لإنجازه 10 سنوات، كيف استطعتِ العمل عليه كل تلك المدة؟

– بدأت العمل في السينما بعمر 17 عامًا. دخلت معهد السينما والسمعي البصري في الرباط عام 2007 ودرست 3 سنوات. وقتذاك كان مشروع التخرج فيلمًا قصيرًا شارك في عدة مهرجانات، وكان بالنسبة إليَّ بوابة جعلتني أتعرف إلى الإخراج، وذلك لأننا كنا ندرس مجموعة من المهن في الآن نفسه، المونتاج وكتابة السيناريو ثم الإخراج. 

سافرت بالفيلم إلى فرنسا، وكان فيلمي الأول «ألوان الصمت» والفيلم الثاني «دوار السوليما»، وهما عملان لم يشارك فيهما ممثلون محترفون لوجود لمسة الوثائقيات في التجارب التي أقدمها، لرغبتي في العمل مع أشخاص لم يروا الكاميرا ولم يقفوا أمامها من قبل، لأن هذه النماذج تجعلني أشعر بأنني أصنع الشخصيات التي يقدمونها.

أتذكر أني في عام 2012 عملت على فيلم «جمعة مباركة» الذي قدمته في أكبر معاهد السينما بفرنسا، فكان بمثابة فيلم قصير يمهد للفيلم الطويل، وفي «كذب أبيض» أخذت وقتًا طويلًا، على مدار 10 سنوات، كنت خلالها أتدرج في الفيلم وأطوره. فأنا أثق بأن انجاز الأفلام الطويلة يتطلب سنوات، ولم أندم على الوقت، لأن ما حققه الفيلم كان أكثر مما أتصور. جزء من الوقت الذي استغرقه الفيلم، يرجع الى أنني لم أكن أجد الطريقة التي سأحكي بها الحكاية بدون وجود حقائق ثابتة وبدون صور. الذاكرة التي أحكي عنها ممحوة، وكل ما وجدته كمادة خام، حصلت عليه من شخصياتي (أمي، أبي، جدتي).

أسماء المدير

*من الغريب أنه لا يوجد أرشيف للتظاهرة الكبرى حول انتفاضة الخبز عام 1981…

– صحيح، لا يوجد أرشيف، لا في باريس ولا في المغرب، يوجد فقط بعض الصحف التي كتبت عن الأمر، وهناك صورة وحيدة موجودة على الإنترنت وتم نشرها في الفيلم. يمكنني القول إنها كانت فترة صعبة، إذ جرى محو أو نسيان كل شيء من الذاكرة. وهذا الأمر لم يرعبني كمخرجة، لأنني مؤمنة بأن المخرج يمكن أن يجد حلاً للفيلم ليحكي ما تبقى لدى الأشخاص من حكايات. لا يهمني ما حدث، بقدر ما يهمني وجود طريقة لحكاية الذاكرة، عندما لا يكون هناك أي شيء ملموس لحكايتها.

*هل يمكن أن تقدمي أفلاما وثائقية تحكي عن وقائع عربية حدثت قبل مئات السنين؟

– لم لا؟ «الجزيرة الوثائقية» تقدم مثلا وثائق عن معركة «بلاط الشهداء»، وقدمت سلسلة علماء المغرب. وأنا كمنتجة، أنتجت العديد من الأعمال التاريخية، فأنا أعشق كل ما يعود بي إلى الماضي، لأنني أكتشف العديد من الأشياء.

عملت على الحرب المنسية، «حرب إفني»، في المغرب، وقابلت شخصيات مناضلة. أحب العمل على كل ما هو تاريخي، لكن تستهويني الطريقة. لا أجد نفسي في وثائقيات يجلس فيها إنسان على كرسي ويحكي الحقيقة، ولن أعمل على أفلام مثلها. هذا هو الفرق بين السينما والتقرير، فأنا لن أُجلِس شخصياتي على الكرلسي لأطرح عليهم أسئلة مباشرة، لأنني لست صحافية بل مخرجة. وإن استدعى الموضوع الحصول على معلومات تاريخية وذات قيمة من شخصيات ثقافية وذات قيمة، فسأحصل على تلك المادة وأوظفها بطريقة السينما.

الحرب المنسية

*ما قدمته في الصناعة شيء لم يألفه صانع السينما العربي أو المشاهد العربي، والبعض استغرب ما قدمته، في حين كانت هناك حفاوة أيضًا. 

– الفنان عندما يأخذ موزة ويعلقها على الحائط، يدفع الناس الى التساؤل ما هذا! كل شيء بالنسبة لي قائم على الفكرة، إذ يمكنك أن تضع الموزة على الحائط بشكل يشبه اللوحة. السينما بالنسبة لي تستفز المشاهد، وهذا ربما ما حدث مع «كذب أبيض». أن استفز الطريقة العادية والمألوفة في صناعة الأفلام الوثائقية، وأقول للمتابع العربي هل يمكن أن تتبعني لمدة 90 دقيقة، وإن لم يعجبك العمل فلديك الوقت لتعود الى ما هو مألوف عليك.

أسماء المدير

أنا لا أضع الحبل على أحد! أنا فقط أقول هيا لنجرب. كنت في ورشة من قبل وقلت إنني لست معروفة، فإن نجح الفيلم نجح وإن لم ينجح فسيكون مصيره سلة المهملات. أنتبه الى شيء آخر، لأنني أنا المنتجة وأنا من تموّل العمل وأنا من ستخسر، لكني على الأقل حاولت. العلماء الذين قاموا بالتجارب، تعرضوا لبعض الاخطار في بداياتهم. هناك أعمال لا بد أن نصبر عليها من أجل أن تبصر النور وتنجح.

عندما أقول إن هناك شبابًا في المغرب، أشعر أنهم «جيفارا الشباب»، كأنني فتحت لهم الأبواب. يمكنك البدء من هذا البلد وليس في الخارج. أنا لا يستهويني مستقبلًا أن أضع المادة الخام في أفلامي، بل يجب العمل عليها لتصبح مادة سينمائية قابلة لمشاهدتها في السينما. فنحن نذهب الى السينما للتسلية، كأنك تضع مسدسًا عندما لا يكون لا يعمل بالإخراج.

*من يملك الحقيقة في حكاية التاريخ؟

– قناعتي أنه ليس هناك حقائق، المنتصرون يكتبون التاريخ، وجربت ذلك عندما كنت أبحث، إذ جاءني شخص يخبرني بأنه سيحكي لي ما حدث. أظن أن مقولة التاريخ يكتبها المنتصرون. لذلك لا توجد حقائق.

*حدثينا عن تجربتك الأخيرة في عضوية لجنة تحكيم مهرجان كانّ السينمائي الدولي الذي شهد عرض الفيلم السعودي «نورة» في مسابقته الرسمية…

هذه أول تجربة في حياتي، وكنت سعيدة بمشاركة الفيلم السعودي «نورة»، وبمشاركة الفيلم الصومالي «القرية المجاورة للجنة»، ففي فيلم «نورة» كان الممثل يعقوب الفرحان عجيبًا وكان من المستحيل أن يمر دوره مرور الكرام.

أنا لا أحب الحكم على الأفلام ولا أحب فكرة المسابقات في الأصل. تتغير الجوائز بتغير لجان التحكيم. لكل شخص في اللجنة ذوق، ولرئيس اللجنة ذوق. لذلك تتغير الجوائز بتغير لجان التحكيم. 

نقلا عن موقع إيلاف الإلكتروني

اقرأ أيضا: أصغر فرهادي من عمّان: 12 خلاصةً لفائدة السّينمائيين الشباب

شارك هذا المنشور